رياض الزهراء العدد 179 أنوار قرآنية
الإِمامُ المَهديّ (عجّل الله فرجه) فِي القُرآنِ الكَرِيمِ
يعدّ الإيمان بحتمية ظهور مصلح يملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما مُلئت ظلمًا وجورًا عقيدة متأصّلة مسلّم بها في جميع الشرائع السماوية الثلاث: اليهودية، المسيحية، الإسلامية وجميعها تستند إلى نصوص صريحة في كتبها المقدّسة، ممّا يكشف عن أهمّية هذه العقيدة وروحها في نفوس جميع البشر، فالتبشير بظهور المصلح الإلهي من البشائر المتّفق عليها بظهور ذلك الأمل الموعود أو المنقذ أو المصلح مع اختلاف المسمّيات، الذي ينقذ البشر من الظلم والجور وينشر العدل في دولته الكريمة، ويمكن الاستدلال على ظهوره المبارك عن طريق آيات الذكر الحكيم. آيات وراثة الأرض: • اختصاص الحكم بالصالحين: أشارت الآيات القرآنية الكريمة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى قد أورد بشارات عديدة في سور القرآن الكريم، نبدؤها بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء: 105)، وفُسّرت بأنّها بشارة من الله (سبحانه وتعالى) لعباده الصالحين المؤمنين بأنّهم سوف يرثون الأرض ويحكمون مَن عليها، وتشير الآية الكريمة إلى توضيح المكافآت الدنيوية للمؤمنين الصالحين، فكلمة (الأرض) تُطلق على مجموع الكرة الأرضية وتشمل كافة أنحاء العالم، إلّا أن تكون هناك قرينة خاصّة في الأمر، ومع أنّ البعض احتمل أن يكون المراد وراثة كلّ الأرض في القيامة، إلّا أنّ ظاهر كلمة الأرض عندما تُذكر بشكل مطلق تعني أرض هذا العالم(1). ولفظة (يرثها) يعني انتقال الشيء إلى شخص بدون معاملة وأخذ وعطاء، وقد استُعملت هذه الكلمة في القرآن الكريم أحيانًا بمعنى تسلّط وانتصار قوم صالحين على قوم طالحين، والسيطرة على مواهبهم(2)، وفُسّرت هذه الآية في بعض الروايات بأصحاب الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه)، مثلما نرى رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "هم أصحاب المهديّ في آخر الزمان"(3). ويدلّ على ذلك ما رواه الخاصّ والعامّ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلًا منّي أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا"(4). لا يخفى أنّ معنى هذه الروايات ليس الحصر، بل هو بيان مصداق عالٍ وواضح من أنّ هذه التفاسير لا تحدّ من عمومية مفهوم الآية مطلقًا، وبناء على هذا ففي كلّ زمان، وفي أيّ مكان ينهض فيه عباد الله الصالحون بوجه الظلم والفساد فإنّهم سينتصرون عاقبة الأمر، وسيكونون ورثة الأرض وحاكميها(5). وحيث إنّ ما وعدنا الله (عزّ وجلّ) وبشّرنا به هو وراثة الأرض، ولفظة الأرض جاءت مطلقة، فيدلّ على شمول الوراثة لجميع الأرض ولا توجد قرينة تصرفها عن معناها الحقيقي، وأنّ هذه البشارة لم تتحقّق حتى هذه اللحظة، وكذلك ما وعدنا الله (عزّ وجلّ) به من القضاء على الظلم، وانتصار المتّقين والصالحين والمستضعفين على المستكبرين، وأنّهم سيحكمون العالم في آخر الزمان، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، فلا بدّ من تحقّق الوعد الإلهي، بل ولا بدّ من انتصار الحقّ في ختام المسيرة البشرية. ومن مقتضى حكمة الله وعلمه وقدرته أنّ هذا الأمر العظيم لا يتمّ إلّا عبر واسطة إلهية تؤسّس لمجتمع إلهي قائم على أساس عبادة الله وطاعته ومعرفته حقّ المعرفة، حتى يتحقّق الغرض من الخلقة وهو الوصول إلى الكمال والسعادة الأبدية. ........................ (1) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج10، ص 254. (2) المصدر السابق. (3) بحار الأنوار: ج 14، ص 33. (4) المصدر السابق: ج٥١، ص١٠٢. (5) نُقل بتصرّف عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج ١٠، ص ٢٥٨.