(وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا)
كان الحديث عن العجلة ومعناها، ثم الحديث في الآية: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)، والتأكيد على أنّ الإنسان عجول إلى درجة كأنّه خُلِق منها، وتمّ بيان أنّ هذه الصفة لا تعني بأنّ الإنسان مجبر على اتخاذ قرارات خاطئة لأنّه عجول، بل هو مختار ولديه عقل يمكنه التغلّب على أيّ موضوع في حياته، والنظر في عواقبه، وفي ضمن حواريةٍ بين آمنة وعمّتها بشرى كان الآتي: بشرى: لنكمل حوارنا، قال الله سبحانه: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) (الإسراء: 11)، تأتي هذه الآية لتشير إلى إحدى العلل المهمّة لعدم الإيمان، وهي عجلة الإنسان وتسرّعه وعدم اطّلاعه وجهله بالأمور. آمنة: ما معنى: (يَدْعُ الإِنسَانُ)؟ بشرى: (يَدْعُ)، (دعا) كلمة لها معنىً واسع يشمل كلّ طلب ورغبة للإنسان، سواء أعلن عنها بلسانه أو سعى إليها بجهده، فدعا بمعنى طلب، والطلب يشمل الطلب اللفظي والطلب العملي الذي هو عبارة عن سعيه. آمنة: ما معنى أنّ الإنسان يطلب؟ بشرى: أن يسعى الإنسان إلى الخير والنعم، فهو واضح وطبيعي، وأن يدعو بلسانه بالخير فهذا واضح أيضًا، ولكن صنف من الناس يدعو بالشرّ بلسانه ويسعى إليه بعمله، فهذا صنف غريب، والآية تتحدّث عن هذا الصنف، فهو يطلب من الله الشرّ مثلما يطلب منه الخير، بالحماس والاندفاع نفسه تمامًا. ثم إنّ هذا الصنف ليس قليلًا، فالكثير من الناس على هذه الشاكلة، يدعون بما فيه شرّهم وضرّهم، ويتمنّون بلسانهم ويسعون إليه بأعمالهم، والقرآن الكريم يضرب قوم قارون مثلًا، فهم في الحقيقة لمّا تمنّوا وطلبوا مثل ما عند قارون فإنّهم تمنّوا شقاءهم. آمنة: عمّتي لديّ سؤال: لماذا يطلب الإنسان ويدعو بالشرّ؟ بشرى: الإجابة توجد في الآية الكريمة نفسها، والسبب كون الإنسان (عَجُولًا)، مع أنّ الإنسان قد أُعطِي عقلًا؛ ليدرك به ما يضرّه وما ينفعه، ومع ذلك يطلب الشرّ ويدعو به بسبب تسرّعه وعجلته. فإنّه إذا أراد شيئًا فلا يتأنّى ولا يتروّى ولا يفكّر في جهات صلاحه وفساده حتى يتبيّن له الخير فيما يريد فيطلبه، بل يتعجّل فلا يفرّق بين الخير والشرّ، فقد يرى الشرّ خيرًا فيطلبه ويسعى إليه. آمنة: يا له من شقي. بشرى: لذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "واعرف طريق نجاتكَ وهلاككَ كيلا تدعو الله بشيء عسى فيه هلاككَ وأنتَ تظنّ أنّ فيه نجاتكَ"(1)، ورُوي أنّ آدم (عليه السلام) نصح أولاده وقال لهم: "كُلّ عَمَلٍ تُريدونَ أن تَعمَلوا فَقِفُوا لَهُ ساعَةً، فَإِنّي لَو وَقَفتُ لَم يَكُن أصابَني ما أصابَني"(2). يتبع... ...................................... (1) تفسير كنز الدقائق: ج٧، ص٣٦٥. (2) موسوعة معارف الكتاب والسنّة: ج٧، ص٢٩.