رياض الزهراء العدد 179 لحياة أفضل
المُتَحابُّونَ فِي اللهِ تَعالَى
حينما يمتلئ القلب بحبّ الله سبحانه، يتحرّك المرء في كلّ مراضيه، فيحبّ خلقه وعياله من أجله وفيه، ويسعى جاهدًا إلى نفعهم وإدخال السرور على قلوبهم؛ أملًا برضاه وتجسيدًا للحبّ المتجذّر في أعماقه له؛ لأنّ علاقة المحبّ بالناس تنطلق في الجانب السلبي والإيجابي من علاقته بربّه، ولعلّ الإمام الباقر (عليه السلام) أشار إلى هذه الحقيقة بقوله: "إذا أردتَ أن تعلم أنّ فيكَ خيرًا فانظر إلى قلبكَ، فإن كان يحبّ أهلَ طاعة الله عزّ وجلّ، ويبغض أهل معصيته، ففيكَ خيرٌ والله يحبّكَ، وإذا كان يبغض أهلَ طاعة الله، ويحبّ أهلَ معصيته، فليس فيكَ خيرٌ والله يبغضكَ، والمرء مع مَن أَحَبّ"(1). واليوم لو اصطبغت علاقتنا مع الناس بالصبغة الإلهية، لتحوّلت ساحة المجتمع إلى جنّة وردية؛ يتحرّك فيها العبد المحبّ لنفع إخوانه، ولا يتوانى عن البذل والعطاء والتضحية، من دون أن ينتظر المقابل من أحد، أو مبادلة الهدية بالهدية والعطية بالعطية! سيتحرّك لنفع الناس؛ لأنّهم عيال الله تعالى، مثلما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "قال الله عزّ وجلّ: الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم، وأسعاهم في حوائجهم"(2)، وسيكون عمله خالصًا لوجهه الكريم لا تشوبه شائبة، ولا تشوّه جماله وصفاءه مصلحة، ولا يرتكز على ما يحكم بعض العلاقات الاجتماعية من فكرة خاطئة، مفادّها: زارني فأزوره، أعطاني فأعطيه، أكرمني فأكرمه، ولو كان ذلك في غير محلّه، ولغير أهله! تعالوا لنتأمّل مراد النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول: "... أحبب في الله وأبغض في الله، ووالِ في الله، وعادِ في الله، فإنّه لا تُنال ولاية الله إلّا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادّون، وعليها يتباغضون.."(3)، فهنا تحذير ينبغي أن نلتفت إليه، ونحاول أن لا يكون عملنا مشابهًا له، فالبعض منّا مدار علاقته مع إخوانه هو الدنيا، يحبّ لأجلها، ويتواصل رغبةً فيها، وينفق في سبيل الحصول على شيء من متاعها، وأمثال علاقات كهذه تتلاشى بسبب أقلّ خلاف ومشكلة، فلا مبرّر للاستمرار فيها؛ لأنّ أساسها خاوٍ لا يصمد أمام أيّ طارئ، يسيرًا كان أو معضلة. أمّا إذا كان أساس العلاقات إلهيًا، فإنّ العبد المحبّ سيتحرّك بروح إلهية همّها نفع عباد الله تعالى والاتصال بأحبّهم إليه، فمعيار هذا الحبّ طاعته سبحانه، ومقدار ما له في الطرف الآخر من نصيب، ومن ثمّ كلّما ترقّى المقابل أكثر كان حبّه في الله أكبر، وهكذا حتى تتّسع رقعة الفضائل، وتُبنى العلاقات الاجتماعية على أساس الحبّ الإلهي والسعي في طريق الرفعة والتكامل، وستغيب صور الاستغلال المتعدّدة، وتتلاشى الأنانية وتسود الرحمة والمودّة، ويكون المحور: لحبّ الله سبحانه نتزاور، وننفق في سبيله، ونتواصل قربةً إليه. .......................................... (1) بحار الأنوار: ج ٦٦، ص ٢٤٧. (2) ميزان الحكمة: ج ١، ص ٥٠٦. (3) بحار الأنوار: ج ٦٦، ص ٢٣٦.