رياض الزهراء العدد 179 لحياة أفضل
تَحدِيدُ الهَدَفِ.. أَوّلُ سُبُلِ النَّجَاحِ
إنّ تحديد الهدف من أهمّ أسس تحقيق النجاح، بل إنّ هناك تلازمًا بين النجاح والهدف، فلا يمكن لإنسان أن ينجح إلّا إذا حدّد هدفه، فقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لكميل بن زياد: "يا كميل ما من حركة إلّا وأنتَ محتاج فيها إلى معرفة"(1). والناجح هو الذي يحدّد هدفه مهما كانت ظروفه، ثم يسعى للوصول إليه، وهو الذي يحدّد أهدافًا عالية ولا يرضى بالأدنى، ومثال على ذلك: طالب في المرحلة الوزارية من التحصيل الأكاديمي، حصل على معدّل عالٍ يمكّنه من الالتحاق بكلية الطبّ، وبعد نصيحة الأهل والأقران له التحق بالجامعة، ولكنّه أخفق ولم يتمكّن من مواصلة دراسته؛ لأنّه لم يحبّ العمل في مهنة الطبّ، فهو يدرس لتحصيل الحاصل، ومن ثمّ سيفشل في دراسته، أمّا إذا كان قد حدّد هدفه بشأن المهنة التي يرغب بمزاولتها لاختلف الأمر. فلا بدّ من أن يعرف الإنسان شخصيته وميوله تجاه العلوم والفنون والمِهن، وينبغي أن يحدّد عمله على حسب شاكلته وما يناسبها، ورغبته في تطوير ذلك العمل، ولو رجعنا إلى عظماء التاريخ، فسنجد أنّ كلّ واحد منهم قد برع في جانب معين، ولم يستطع أحد أن يجمع أغلب جوانب العظمة أو كلّها إلّا القليل النادر. ولابدّ من التركيز والسعي لإكمال الهدف والحصول عليه، فقد تجد البعض يقرأ كتبًا عديدة تحتوي على مواضيع مختلفة، فيشتّت تفكيره ونشاطه، مثلما يسعى البعض ليكون نسخة عن فلان الناجح في الصحافة أو رجل الأعمال الفلاني، أو العالم الفلاني، وكأنّه يريد أن يكون ناجحًا في كلّ شيء! بدون هدف وتخطيط مسبق، وإذا به يفشل في كلّ شيء. والتاريخ يشهد بأنّ الناجحين والعظماء اشتهروا في شيء معين ومحدّد، اشتغلوا عليه وطوّروا ذلك العمل أو العلم، إذ إنّ الفرق ليس كبيرًا بين الناجحين والفاشلين في مقدار الجهد الذي يبذلونه، فالجميع يعمل كلّ يوم بمقدار عمل واحد وليس أكثر، ولكن الفرق إنّما هو في الناجحين، حيث ينجزون الأعمال بحسب أهمّيتها، فضلًا عن إخلاصهم في العمل وإتمامه، ولرغبتهم في العمل ذاته، ثم الإتقان في الأمور المراد تحقيقها، ومهما تكن ماهية الهدف المراد تحقيقه فهو بحاجة إلى الصبر والأناة والتعب وبذل الجهد لتحقيق المبتغى. هناك أمور تسهم في تأخّر تحقيق الأهداف، وقد تكون سببًا في تأخر الفرد وتراجعه في الحياة، منها الاستهانة بالقدرات، أي عدم الثقة بالنفس في تحقيق ذلك الهدف المنشود، ويدخل الشخص في حالة من الفتور وعدم الاستقرار في العمل، ثم عدم الاستمرارية بزعم أنّ الأمر لا ينفع، أو التهاون في التقدّم لإتمام الهدف، وبخاصّة إذا أخذ برأي أحد الأشخاص السلبيين حين استشارته، وزرع في طريقه المعوّقات دون إتمام ذلك الهدف، لذلك يجب على الإنسان أن يزن نفسه دائمًا، ويرى نفسه ذلك الشخص القادر على الوصول إلى هدفه بالتخطيط والمثابرة، في إتمام الهدف الذي يروم إليه متوكّلًا على الله في جميع أموره وصولًا إلى قمّة النجاح. ................................ (1) بحار الأنوار: ج ٧٤، ص ٤١٢.