رياض الزهراء العدد 179 لحياة أفضل
ثَمَرَةُ الأَخلَاقِ
إذا أردنا أن ندرك حقيقة الأخلاق وقيمتها التي تعدّ من أعظم العبادات؛ لأنّها تمثّل نتاج معرفة وتطبيق للدين، حيث تظهر في السلوك الحسن والتأدّب مع الآخر، فالأخلاق ثمرة الصلاة وتمتدّ لتكون ثمرة الصيام، حيث تنقطع النفس عن ملاحقة الأهواء لتتطهّر من المغالاة، فقد جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّ العبد ليبلغ بحسن خُلُقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنّه لضعيف العبادة"(1)، فعلينا أن نتدبّر في أمورِنا أولًا، ونتدبّر في حكمة القدوة الأخلاقية العليا التي وُضعت لنا، فهي قيم يمتلكها كلّ فرد، وهي الريح الطيبة التي ترافق صاحبها فتنجذب الناس إليه، وتحمله لترتقي به بين الناس بما حاز من الشمائل والصفات والأفعال الحسنة، لكن نجد أنّ البعض يتفاخر إذا تجادل مع الآخر وردّ عليه، وهنا تظهر قيمة الأخلاق، حيث يتمّ ربطها بقوة الشخصية. كم أصبحنا نخجل من إظهار كلمات الحبّ لشركائنا أو أشقائنا أو غيرهم من الأصدقاء والأقارب، لأنّنا اعتدنا إخفاء مشاعرنا ولكنّها تعود للأخلاق الحسنة، فطريقة التعبير عن الحبّ ما هي إلّا وسيلة وطريقة نحو تكوين رباطٍ مقدّس تلتفّ حوله البشرية لتظهر بكلمات رقيقة، شفّافة، وناعمة، هنا يبدأ درس القيم التي نحملها بداخلنا، فالعلم إذا لم يحسّن من أخلاق المرء فلا معنى له، فما فائدة علم لا يربّي ولا يهذّب النفس؟! لهذا لو تمعنّا لوجدنا أنّ الخطاب القرآني موجّه للإنسان الموجود والمتفاعل مع مجتمعه، وذلك لأنّه ينقل خيره إلى المجتمع، بعكس الإنسان المنغلق على نفسه، لذلك حاول القرآن الكريم بيان أهمّ الضوابط التي تتيح التفاعل والتعامل الأفضل بين الناس، وقد جسّدها بمنظومة أخلاقية عليا مثّلها الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) حيث قال عزّ وجلّ: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4)، لذلك وإن كنّا لا نلقي بالًا لعظم تأثير الكلمات في نفوس قائليها، ومن ثمّ في نفوس متلقّيها وسامعيها، سواء أكانت طيبة أم جارحة، فعلينا أن نربّي ألسنتنا عن أذية مسامع الناس، وعن إيذاء مشاعرهم، ولنقلْ للناس حسنًا، عسى أن نحيي نفسًا وندخل عليها فرحًا، أو نشدّ من أزرها، أو نضع عنها ثقلًا. ............................. (1) ميزان الحكمة: ج ١، ص ٧٩٩.