جَوهَرِيٌّ أَمْ حَدَّادٌ؟

عذراء حسين العبودي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 135

أن يوكل عمل الخبز إلى الخبّاز، والثوب إلى الخيّاط، والباب إلى النجّار، لا لأنّ صنع هذه الأشياء مقتصر على أشخاص محدّدين دون غيرهم، ولا أحد سواهم يعرف صنعها أو إصلاحها، بل يستطيع أيّ شخص أن يخبز أو يجلس أمام ماكنة الخياطة، أو يمسك بمقبض المنشار، لكن كيف ستكون النتيجة؟ وكيف سنفرّق بين المحترف لهذه الأعمال الذي قضى عمرًا في ممارستها وبين غيره ممّن لا خبرة لديه فيها؟ فلكلّ مقام مقال، ولكلّ يد صنعة، ولكلّ مجتهد حرفة، ولا يأتي هذا إلّا بعد جهد يُبذل وجسد يكدح، ولذا فإنّ الحياة مقسّمة بترتيب بديع، وضع الله (سبحانه وتعالى) لكلّ فرد آلية عمل وعيش تختلف عمّن سواه من الكائنات، ابتداءً من ممالك الحيوانات والحشرات والظواهر الطبيعية، وصولًا إلى الإنسان، كلٌّ يعمل على شاكلته، كلّ فرد يسير وفق طريق رُسم له، أو رسمه هو لنفسه وفقًا للمعطيات الإلهية، والقابليات الجسمانية والعقلية. إنّ الروح التي منحنا الخالق إياها وجسّدها بأجساد تميّز كلّ امرئ عن غيره، إنّما هي المادّة التي تحتاج أن توضع بين يدي مَن نؤمن عليها عنده، إنّها الجوهرة التي منحنا بدون تعب أو نصب، فهل سنكون الجواهري الذي يحفظها ويصقلها ويمنع عنها الأيادي السارقة؟ أم سنكون الحدّاد الذي يفسدها ويكسرها؟ والسؤال يعيد نفسه بطريقة أخرى ليكون: هل كنتَ حدّادًا يومًا ما وبين يديكَ جوهرة؟ أليست كلّ النِعم التي نحن فيها جواهر تتطلّب منّا العناية الفائقة؟ ألستَ أنتَ بحدّ ذاتكَ جوهرة؟ فالفرصة الجيدة جوهرة، والظروف الجيدة جوهرة، والتوقيت الجيد جوهرة أخرى، والطموح والنشاط والعافية والاستقرار والوعي كلّها جواهر ثمينة ونادرة تستوجب العناية والحرص. إنّ معرفة الاستحقاق الذاتي هو ما سيقود المرأة إلى تقدير هذه النِعم والعناية بها عناية الجواهريّ لا الحدّاد، عناية المقدّرة والمستغلّة لكلّ الفرص التي يسوقها الرحمن لها، عناية الساعية التي تفعل ما هو مُناط بها، ولا تحتاج سوى التوفيق من ربّ عظيم، أن تنظري لنفسكَ نظرة الصائغ الذي يعنى أشدّ العناية بمصوغاته، يصهر التالف منها ليحيله ذهبًا جديدًا، ويقولب الآخر ليصنع حليًا برّاقة، هي النظرة التي تحتاجين أن تنظريها لذاتكِ، أن تقوّمي عودها، وتحيلي تعثّراتها لدرب جديد، تمهّدي لها طريقًا في البحر يبسًا، أن تثقي بفالق البحر، وتقدّري الجوهرة التي منحكِ إياها؛ لأنّ الفرص تزداد كلّما تأهّبتِ لها، كحال الصيّاد مع مصيده، فكلّما كان أكثر استعدادًا كانت عدد فرص الاصطياد مواتية أكثر، تفحّصي ما في يديكِ جيدًا وما تحملينه من جواهر، هل ستُصقل أم تُكسر؟ هل ستكونين الجوهريّ أم الحدّاد؟