تَلقّاها بِصَدرِهِ

فاطمة سجاد التميمي/ البصرة
عدد المشاهدات : 212

بين أزيز الرصاص ودويّ الانفجارات في معارك التحرير في قاطع (تلعفر)، وبعد أن انجلت الغبرة دوّى انفجار كبير، ولكن من نوع آخر، انفجار معنوي، وإذا بزميلنا السيّد مؤمّل قد استشهد، وتلقّى ضربات الدواعش بصدره، وما أجّج الانفجار المعنوي فينا أكثر وأكثر هو أنّ والد الشهيد وعمّه كانا معنا في المعركة ذاتها وشهدا ما شهدنا، عانقا بعضهما هنيهةً ثم عادا إلى رباطة جأشهما، وقال لنا عمّه: (نحتسبه مع الحسين (عليه السلام) وأصحابه)، ثم أخرج هاتفه النقّال واتّصل بعائلته، وأخبرهم بأنّ مؤمّلًا عائد إليهم، لا يريد في استقباله دموعًا، بل طلب منهم زفّة له! ثم أكمل كلامه بسرعة كي يهدّئ من روع عائلته: (مؤمّل بطل، تلقّاها بصدره). وقال كلمة أخرى لعائلته استوقفتني كثيرًا: (أنا لا أستطيع أن أعود فلديّ عمل، سيأتي خليل والد الشهيد فقط). أغلق هاتفه وحدّثنًا قائلًا: إنّهم جميعًا ينتظرون الشهادة. وقال عن الشهيد مؤمّل: ذهب فداءً من أجل فتوى الدفاع الكفائي عن العراق ومقدّساته. أعادنا هذا الموقف إلى أرض كربلاء في عام ٦١ للهجرة، في معركة الطفّ كيف كان يرى أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) شهادة أبنائهم وفلذّات أكبادهم، لا بل هم مَن يدفعونهم إلى الشهادة في سبيل الله حفاظًا على الدين والمقدّسات من عدوان أشباه الرجال والأرجاس، ولم يتحجّجوا بغسل أو تكفين أو دفن لأبنائهم. ها هو عمّ الشهيد مؤمّل، آثر أن يُكمل كفاحه تاركًا أخاه وبعض إخوانه المدافعين يأخذون جثمان الشهيد إلى أهله، وتشييعه تشييعًا مهيبًا يليق به. أدركنا حقًا إنّنا في كربلاء، تجسّدت فينا قيم عاشوراء وشخوصها وشواخصها، وعشناها مثلما عاشها شهداؤنا فكرًا وسلوكًا، منهجًا وتطبيقًا. (مؤمّلنا) لم ينكص ولم يهرب، بل استبسل وواجه وقاوم، حتى تلقّى الضربات بصدره واستشهد رمز البطولة والشجاعة والإقدام، مقتديًا بمولانا أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) حينما واجه أعداءه وتلقّى السهام بصدره الشريف، تلك الشجاعة التي استقاها أبو مؤمّل وعمّه أيضًا، فهم عائلة تربّت على قيم الحسين (عليه السلام)، وتشرّبت من مبادئ عاشوراء، وجسّدتها خير تجسيد في زمن كثر فيه الخنوع والذلّة، رافعين شعار مولانا الإمام الحسين (عليه السلام): "هيهاتَ منّا الذلّة".