رياض الزهراء العدد 179 منكم وإليكم
الرَّاحَةُ المُغرِيَةُ
جميعنا يحبّ الراحة، وبموازاة الراحة والاسترخاء يريد النجاح والتفوّق على طبق من ذهب، لكن النجاح والراحة ضدّان لا يجتمعان إلّا نادرًا، فمن أجل تقديم أيّ مساهمة قيّمة في حياتكِ، عليكِ الاعتياد على التعب وتبنّي نهج النموّ، وتنمية المهارات دائمًا، ولكي تصنعي مجدكِ فلابدّ من أن تحاربي وحدكِ، وأن تكوني جريئةً في تحدّياتكِ، وتستغلّي كلّ فرصة تُتاح لكِ لأجل نموّكِ. من المهمّ الخروج من منطقة الراحة؛ لإنتاجية أفضل وتطوّر أسرع، بمعنى أن تضعي نفسكِ على المحكّ وتصبحي جريئةً، وتجعلي أفعالكِ وليس كلماتكِ فقط هي التي تعرّف بكِ، سيصطفّ الناس وراءكِ إن كنتِ متماسكةً، وستكونين أهلًا للاعتماد عليكِ. إنّنا نعيش في وهم بإصرار بأنّ لدينا الغد دائمًا لنؤدّي عمل اليوم، فنحن نتمسّك بهذا الاعتقاد ليساعدنا على تجاهل الشكّ وعبء كلّ ما تركناه حتى نفعله غدًا، فإنّنا نتذكّر أنّ أفعالنا هي التي تعرّفنا، وليست نوايانا، وهذا لا يتماشى مع التأجيل والمماطلة، وأنّ النموّ ما هو إلّا أفعال يومية موزونة ومنضبطة وعادات صحيحة، فهو يتعلّق بتنمية مهارة لها غرض ما، والسعي وراء فرص جديدة تمضي بكِ لتخطي نحو النجاح والسير خارج دائرة الراحة والأمان، حتى وإن كانت تعني المغامرة بجرأة نحو المجهول. مفهوم (آخر يوم): ربّما سألتِ نفسكِ في مرحلة ما: ماذا كنتِ لتفعلي اليوم لو أنّ هذا آخر يوم من حياتكِ الدنيا؟ ومع أنّه تمرين ممتع وحسن النية، إلّا أنّه لا يعود بفائدة كبيرة دائمًا في تحفيزكِ على الفعل؛ لأنّه يزيل أيّ شعور بالمسؤولية أو الالتزام تجاه الآخرين، وهذا الجزء الأسوء من المعادلة، لكن في المقابل يضعكِ أمام حفنة من الأسئلة المهمّة، وهي: تُرى ماذا فعلتُ من إنجازات مهمّة في حياتي؟ هل لهذه اللحظة اخترتُ أن أموت فارغًا؟ أي أن أنجز كلّ ما سعيتُ إليه وطمحتُ له في حياتي؟ أم سأموتُ مليئةً بالطموحات، والأحلام لا تموت وأنا ممتلئة بأفضل أعمالي؟ ذكر الكاتب (تود هنري) في كتابه (Diy Empty - مُتْ فارغًا) القصّة التي جعلته يكتب هذا الكتاب، وهي أنّ صديقًا سأله سؤالًا بحضور مجموعة من الرفاق، فقال: "باعتقادكم ما الأرض الأغلى والأسمى في العالم؟" فأجاب أحدهم: حقول النفط في الشرق الأوسط، وقال آخر: مناجم الذهب في أفريقيا، وتعدّدت الأماكن حول العالم. سكت صديق تود هنيهةً، ثم قال: "جميعكم مخطئون، إنّ أغلى أرض في العالم وأعلاها قيمةً هي المقابر، ففيها دُفنت جميع الأحلام التي لم تُحقّق، والروايات التي لم تُكتب، والأعمال التي لم يُقدّر لها أن تُؤسّس، كثير من الأمور يفكّر الناس أنّهم لربّما يجدون طريقًا إليها غدًا، ومع ذلك يأتي يوم ما وقد استنزفوا كلّ غدِهم". كوني حذرة، أنجزي ولا تؤجّلي إلى الغد، فاليوم الذي يمضي لن يعود، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مَن اعتدل يوماه فهو مغبون"(1). ............................... (1) ميزان الحكمة: ج ٢، ص ١١١٠.