مُلهِمُ العِشقِ والوَفَاءِ

فهيمة رضا حسين/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 224

ما معنى العشق؟ العشق يبدأ بحرف العين، والعين بداية اللهفة والإيثار والتفاني، فبدايته العبّاس.. ‎عين تهوى الحبيب وتتلهّف للقياه.. عين تنبع منها كلّ الفضائل والخصال الحميدة.. عين تروي العطاشى مدى الدهر.. ‎العشق هو تلك النبضات التي تتسارع لتلبية نداء المحبوب .. ‎ذلك العقل المتيقّن بالحبّ والوفاء لنصرة صاحب الزمان.. ‎تلك الأقدام التي تنسى كيفية المشي فتطير نحو المحبوب .. ‎العشق يعني عطاء عبّاسي، مَن فدى رأسه ليرتفع رأس الشريعة النبوّية العلوية الفاطمية .. ‎قدّم كفّيه الشريفتين لترتفع كفّ العدالة مدى الدهر باسمه، وينتقم من الظالمين ويعرّف كلّ ظالم أنّ العبّاس له لبالمرصاد.. ‎فدى عينيه كي تحيا عين الحياة وتبصر عين الحقيقة.. ‎وقع على الأرض دفاعًا عن إمام زمانه كي تفتخر فخر المخدّرات بابن أبيها... ‎وهو الذي أعطى لـ(سنشدّ عضدكَ بأخيكَ) معنىً فاطميًا، فكان ظهر الحسين الذي انكسر عند مقتله.. ‎لم يخيّب الله قلبًا أحبّ الحسين وكان ممّن (باذلًا فيهم مهجته)، فكرّمه الله واجتباه، وأصبح بابًا لقضاء حوائج السائلين.. ‎وانقشعت الأنوار عن عظم منزلته في قلب ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عندما كان كاشفًا لكربه مثلما كان عليًا لمحمّد (صلوات الله عليهم أجمعين) ‎ هو يوم، هي ساعة، هي لحظة رآها الحسين واحدودب ظهره وقلّت حيلته، فماذا رأى يا تُرى؟ وما طبيعة الحبّ بينهما وهو حبيب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ هنيئًا لكافل خدر الهواشم، فلكلّ أمانة صاحب يُكافئها، وقد اختاره الحسين (عليه السلام) صيوانًا لخدرهنّ. كم أثلجتَ يا عبّاس قلب عزيز الزهراء، وكنتَ ضمادًا لجرحه، وأمانًا لخدره وقلبه. ‎ ‎أيّ مقام له عند أهل البيت (عليهم السلام)؟ ‎فأمير المؤمنين (عليه السلام) يمهّد، وسيّدا شباب أهل الجنّة (عليهما السلام) يفرحان بمجيئه، وتقرّ أعينهما بمواقفه البطولية، وزينب (عليها السلام) تهدأ كلّما تراه وتدعو له ، والسجّاد (عليه السلام) يقول في حقّه: "رحم الله - عمّي - العبّاس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قُطِعت يداه فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة"(1)، وورد في زيارة الناحية المقدّسة: "السلام على أبي الفضل العبّاس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه"(2)، فمَن شهد له الأئمة المعصومون (عليهم السلام) أصبح نبراسًا لقضاء الحوائج، لم يُذكر اسمه في صفحات التاريخ فحسب، بل كلّ قلب طاهر يشهد بعظمته، لم تُختصر بطولاته في ساحات الحرب وإنّما لا يزال اسمه عنوانًا للنجاة من كيد الأعداء، وخيمة تعانق المنكسرين المتشرّدين من جور الزمان. هذه نقطة من بحر عين العشق، فكيف بنا إذا أبحرنا في مناهل جوده وكرمه؟ ‎وقع على الأرض طريحًا ولكنّه رفع راية الحقّ. ‎فلا نتأخّر أو نتوانى عن النُصرة فتُصيبنا حسرة: (يا ليتني قدّمتُ لحياتي)، هكذا أثبتت كفّا الجود بأنّ ما كان لله ينمو، وأنّ قمر العشيرة إذا انخسف فإنّه أصبح قمر سماء الولاية، يتلألأ في ليلة تمامه وكماله، وأنّ الموت بين يدي ابن المرتضى ولادة. ........................... (1) الخصال، الشيخ الصدوق: ص ٦٨. (2) العوالم، الإمام الحسين (عليه السلام): ص ٣٣٦.