رياض الزهراء العدد 78 أنوار قرآنية
شذراتُ الآيات
قال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)/ (النور:31) ذكرنا في الآية السابقة أنّ القرآن الكريم أمر النساء بأن يرمينَ أطراف الخمار حول أعناقهنّ أي فوق ياقة القميص؛ ليسترنّ بذلك الرقبة والجزء المكشوف من الصدر، وهذا حين قال: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، ثم أشارت الآية إلى مسألة الحجاب في ثلاث جمل: أولاً/ في قوله: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)اختلف المفسرون في تفسير الزينة التي يجب على المرأة تغطيتها، فقال بعضهم إنها الزينة المخفية الطبيعية (مفاتن المرأة) في حين أن استخدام هذا التفسير قليل، وقال آخرون إنها تعني موضع الزينة؛ لأن الكشف عن أداة الزينة ذاتها كالأساور والقلادة مسموح بها، فالمنع يخصّ موضعها أي اليدين والرقبة، وقال آخرون خصّ المنع أدوات الزينة حينما تكون على الجسم فبالطبع يكون الكشف عن هذه الزينة مرادفاً للكشف عن ذلك الجزء من الجسم، وهذا التفسير والتفسير الثاني هما الأصح، وعلى هذا فلا يحقّ للنساء الكشف عن زينتهنّ المخفيّة، وإن كانت لا تظهر أجسامهنّ أي لا يجوز لهنّ الكشف عن لباس يتزين به تحت اللباس العادي كالعباءة، فالذي يُراد من الزينة المخفيّة هي الزينة التي تحت الحجاب. ثانياً/ في قوله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)كما ورد ذكره في مقدّمة الموضوع.(1) ثالثاً/ هي الآية التي تشرح الحالات التي يجوز للنساء فيها الكشف عن حجابهنّ وإظهار زينتهنّ فتقول: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) - أي الخفية – فبعد أن نهى سبحانه وتعالى النساء المؤمنات عن إظهار مطلق زينتهنّ للأجانب إلّا ما أباح الشرع من إبدائه رخّص لهنّ إبداءها لاثني عشر صنفاً: 1. (بعولتهنّ) فهم المقصودون بالزينة، وهنّ مأمورات بصنعها لهم. 2. (آباؤهنّ) ويدخل فيه الأجداد من الأب والأم كآباء الآباء وآباء الأمهات. 3. (آباء بعولتهن) و(آباء الآباء) و(آباء الأمهات) وإن علو. 4. (أبناؤهنّ) أي أولادهن سواءً أكانوا ولادة أو رضاعة، ويدخل فيهم أولاد أبنائهنّ وإن سفلوا، وأولاد بناتهنّ وإن سفلن؛لأن ابن الابن ابن ومثله ابن البنت. 5. (أبناء بعولتهنّ) من غيرهنّ وإن سفلوا فقد صاروا محارم أيضاً ويدخل فيهم أولاد الأولاد. 6. (إخوانهنّ) سواءً أكانوا من الأبوين أو الأب أو الأم أو من الرضاع. 7. (بنو إخوانهن) وإن نزلوا. 8. (بنو أخواتهن) وإن نزلوا. 9. (نساؤهنّ) أي كما يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر زينتها أمام محرمها، كذلك يحلّ لها أن تظهرها أمام النساء المسلمات اللاتي يؤتمنّ بهنّ ويُعتمد على أخلاقهن، والجدير بالذكر في هذا المقام أنّ الله سبحانه وتعالى لم يقل (أو النساء) ولو قال ذلك لحلّ للمرأة المسلمة أن تبدي زينتها لكلّ صنف من النساء (مسلمات، كافرات، صالحات، فاسقات) ولكنه عز وجل جاء بكلمة نسائهنّ أي المؤمنات من أهل دينهنّ، وبهذا حدّ حريتها في إظهار زينتها في دائرة خاصة؛ وذلك لأن المرأة غير الصالحة لا تتحرج من وصف ما شاهدته من مفاتن المؤمنات لرجالهنّ أو إخوانهن، فيكون تصور الرجال لهنّ وكأنهم نظروا إليهن وصحبوهنّ، أمّا النساء المؤمنات فيمنعهنّ دينهنّ أن يصفنَ لرجالهنّ زينة المرأة المسلمة؛ لأنهنّ يعلمنَ أنّ ذلك حرام، فيبتعدن عنه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لا تباشر المرأة المرأة، تنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها". 10. (ما ملكت أيمانهنّ) يعني من الإماء والجواري، أمّا العبد فلا يجوز له أن ينظر إلى سيدته إلّا ما استثني للأجنبي. 11. (التابعون غير أولي الإربة) قال علماء اللغة والأدب كلمة (الأرب، الإرب، والإربة، والمآربة) جمعها مآرب أي حوائج وهنا كناية عن الشهوة البهيمية، وقد اختلف في معنى هذه الآية فقيل هم الذين يخالطون ويتبعون القوم ليصيبوا من فضل طعامهم ولا حاجة لهم في النساء، وقيل هو الذي يتبع القوم حتى كأنه منهم ونشأ فيهم وليس له في نسائهم إربة - أي حاجة – وقيل هو الأبله المولّى عليه أو المجنون والمصاب بموت الشهوة الجنسية، وقال بعض العلماء: هم الذين طعنوا في السن ففنيت شهواتهم أو لكونهم ممسوخين قُطعت منهم أعضاء التناسل فلا يستطيعون الزواج، فكلّ هؤلاء لا تجوز رؤيتهم للنساء إلا باجتماع شرطين: الأول: همته إشباع بطنه. الثاني: أن لا يكون له همّة أو إربة في النساء، وذلك بسبب بدني كالهرم والعنن أو عقلي كالجنون والبله ونحو ذلك، ولو أُضيف شرط آخر لهذين الشرطين لكان حسناً وهو أن هؤلاء الرجال لا يمثلون مصدر إثارة للنساء.(2) ...................................... (1) الأمثل، ج11، ص50-51. (2) الحياة السعيدة في ظل سورة النور، ص166-172.