الشَّوقُ للذِّكرَياتِ

نور خليل آل بريهي/ كندا
عدد المشاهدات : 210

ربّما لم نفقد ملامحنا بعد، بعدما فقدنا الكثير ونحن نعبر جدران المسافات، حتى حملتنا الطرقات بين أغصان الماضي محمّلين بالذكريات، محمّلين بالأيام التي نخرت عظامنا ونحن نغطّ في سبات الوحدة تحت مسمّى (الكآبة) التي استباحت أرواحنا مستغلّة أرق الليالي التي قضيناها ونحن نحاول حجز تذكرة الوصول إلى نهاية الطريق. لا نزال نحمل راياتنا البيضاء عند كلّ هزيمة تعرّضنا لها في منتصف أعمارنا، التي كان من المفترض أن نقضيها ونحن في أوج اشتعالنا، هم يقولون بأنّ وجع الطريق سينتهي عندما نلتقي بأرواحنا الضائعة، وسيخفّ هذا الوجع عندما نستيقظ من بكائنا في منتصف الليل تحت صوت المطر، يقولون بأنّ الأماكن التي لطالما تخيّلناها تحمل أجسادنا هي ذاتها تلك الأماكن التي تصيب أرواحنا بالحنين إلى أوطاننا، وهي ذاتها التي نرحل إليها في أحلامنا بعدما خلع الواقع معطفه في ذات شتاء متظاهرًا في وسط الجليد، يطالب بأبسط حقوقه، ألا وهي: (السلام للروح والقلب)، السلام للأماكن التي بكينا فيها حتى فاضت من عجزنا، والسلام للأشخاص الذين رحلوا عنّا بصمتهم، ورحلنا عنهم بذكرياتنا. السلام للكلمات التي ماتت فوق قلوبنا ونحن نحاول رسمها على أفواهنا التي أُطبقت من شدّة الفقد. السلام من الشعور الذي يجعلنا نتيه وسط الزحام، السلام من أن نتخبّط ضياعًا ونحن نحمل ما تبقّى لنا من عمرنا. السلام للسماء التي حملت أحلامنا بين السحاب لتمطر وابلًا من الأيام العتيقة التي لاتزال تحمل رائحة الشوارع والأزقة المنسية بين زحمة الذكريات. السلام للصمت الذي لا يفارق مشاعرنا، والذي يأنس بدموعنا ليلًا، حتى غرقت أسرتنا في بحر من الطرقات، وكلّ مفترق طريق سلكناه خدش أرواحنا وترك ندبة ظاهرة للسنين. السلام لتلك الطرق التي لم نسلكها بعدُ، ولا نزال نجهل ماهيتها.