مُعانَقَةُ الخَيراتِ

مريم حسين العبودي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 369

مهما وصلتِ إلى مراحل متقدّمة من السعي في التحكّم الذاتي، فلا تظنّي بأنّكِ قد غلبتِ الشرّ في موطن ما في نفسكِ، وأنّكِ تغلّبتِ عليه ودحرتِه ومات، الشرّ لا يموت، يفقد وعيه قليلًا، يتخدّر، ومن ثمّ يعود بوجه متجدّد، في حادث مختلف، في مكان ما، على هيئة شيء آخر. من البلاهة الرهان على التحكّم الذاتي المطلق لأيّ إنسان على وجه الأرض، فالمرء يعانق في نفسه الخير والشرّ، يُخرج ما يشاء ويُضمر ما يشاء، وما تسوّل له نفسه بإظهاره. يتواجد الوجهان الشرّير والطيّب بإحساس واحد من دون تفضيل أحدهما على الآخر، ومثلما أنّ للخير أسبابه الخاصّة التي تدفع بصاحبه إلى نشر المحبّة والمودّة والسلام في الشوارع والأزقّة وحقول الورد لغاية نبيلة، كذلك للشرّ أسبابه، فقد يوهمكِ بتجرّدكِ منه، وحتى الترفّع عنكِ، ولكنّه ينتظر الفرصة المناسبة كي ينهال عليكِ من اتجاهاتكِ الأربعة، ويسلب منكِ الخير كلّه، ومن ثمّ يعصركِ كي تتخلّصي من آخر قطرة عالقة فيكِ، حينها يطلق سراحكِ. الشرّ لذيذ، فهو يبرع في قتل الضمائر ويحرّر النفوس الضعيفة، مزوّدًا إياها بالقوة المطلقة الكافية لدحر القوانين والأنظمة والأحكام الشرعية، متيحًا لها كافّة الصلاحيات، فأنتِ نفسكِ لو تذوّقتِ قليله لأدمنتِ كثيرهُ، ولرميتِ مبادئكِ جانبًا، مهملةً إياها، غير معترفة بصلاحياتها! اجعلي شرور نفسكِ قريبةً من مراقبتكِ وبصيرتكِ وتحت نظركِ، وأمسكي بزمام الأمور، وابقي يقظةً على الدوام، إن لم تسبقي شرّكِ بخطوة باستمرار، فإنّه سيجتازكِ بأميال كثيرة، وفي كلّ خطوة يسبقكِ بها، سيجعلكِ تعيشين حالةً من اللهاث المستمرّ للوصول إليه واقتفاء أثره، ومحاولة اجتيازه للحاق بالركب الصالح.