فِي شَعبانَ تِريَاقٌ لأوجَاعِ سَامُرّاءَ

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 163

ما يزال يقودني البحث في عوالمكِ البهية إلى طلاسم مقدّسة يصعب فكّها .. مهما كان للدخول والغوص في أعماقها من وحشة أحيانًا.. لكنّه يبقى شريان الحياة للنفوس المتعبة.. فكلّما حاولتُ الهرب من صرائر العالم الهَرِم .. أجدني أسكن ذاكرتكِ التي سجّلت منطقة اللاوعي في ذهن المدينة.. سامرّاء، إنّ الضياع بين أركان الحياة وبين زوايا ذكرياتكِ تجعل الأيام الكئيبة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتتلاشى كلّ شكواها تحت أسواركِ، وتتمسّك بلهفة بالانتظار الذي لطالما تمسّكتِ به، لتجد القوة في ضعفها، وترسم ابتسامة في حزنها.. وتجد دفئًا تائهًا بين عواصف المصائب وأشواك الحياة .. يا مدينتي المجاهدة، في دعائكِ جوهر الوجود، يعيدنا إلى قدرنا .. حيث نشتاق إلى حديث طويل نتسامره معكِ، وإلى ورود نستنشقها في أعتابكِ الطاهرة .. ومن بين الورود وجدنا نقشًا باسم عليّ الأكبر (عليه السلام) على مآذنكِ، يتلو تمائم المجد على وجع الشباب، ينير شموع الخلود إلى الفردوس.. يهدهد على شغاف العمر بعطر العنبر والرياحين، يعانق حبل الإيثار السرّي، فيصرخ: وليد خرج من رحم الطهر والإباء؛ ليفيض نورًا يشرق على كفّيه وردًا وعشقًا.. وليد برائحة المسك يزيّن جبهته تاج مرصّع، مكتوب عليه: هذا هو شبيه العدنان.. نعمة أنعم الله بها على الحسين (عليه السلام)، يزفّه مع السبعين سفيرًا إلى الجنان، أمسكت يده يد الإصلاح، تعلّمه كيف يكون الرضا بحكم الرحمن وإن كانت المعجزات تنبع من يديه.. لو صافحتَها لوجدتَ منقوشًا على كفّيكَ: سلام عليكَ يا بن الكرام الأطيبين.. عيناه البريئتان ترتقبان أن يمرّ بها ذلك الأب الحنون، فتفقد السيطرة، فتغدو كالطيور المهاجرة التي ترقب المواسم، وعند اللقاء تتعانق النظرات مثلما تتعانق أغصان الأشجار لتغفو على أهداب المنى: أتيتُ يا عليّ.. عبارة تبعث في النفس ذكرًا يثير فيها آلامًا وأشجانًا.. وأنشأ القلب فرحًا، وطربت الحياة لفرحته، وأضحى السرور وحيًا ملهمًا لسموّ الروح في معراجها، وتطرق عالم الحبّ العلوي.. وهبتَ يا مولاي الصغير، بل الأكبر لطفًا، وأسلتَ في النفس لحنًا مرهفًا يستحثّ خيالًا كان في غياهب الحزن مسجونًا، وها هو ينتشي فرحًا ويملأ الروح ثقةً، ويغمر القلب إخلاصًا وإيمانًا. نجم آخر يزهر في جنب الروح العاشقة، يحتضنكَ لتشعر بالقوة والبطولة التي تسري في داخلكَ مع الدم في الشرايين. كنتَ البشرى المشهودة للحسين (عليه السلام)، وقد شهدها أهل السماء من قبلُ، فنوركَ الملكوتي كان كافيًا ليملك القلوب ـ فدتكَ نفسي ـ تمرّ لحظات الذكرى ولا أريدها أن تنتهي؛ لكي لا يفارقني ذلك الشعور الأروع وأنا أنتقل بين تلك الصور لمدينتي السعيدة بولادة النور الأكبر لسبط الرسول (عليهم السلام)، وكأنّ تلك الفرحة المرسومة تخاطب وجدان الشباب وتحدّثهم عن المجد والشجاعة التي خشعت لها قلوب المؤمنين، وارتعدت لها قلوب المنافقين.