وَمَا أدراكَ مَنْ فَاطِمَةُ (عليها السلام)!
رُويَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "مَن عرف فاطمة حقَّ معرفتها فقد أدركَ ليلة القدر"(1). تُرى ما وجه الشبه بين السيّدة الزهراء (عليها السلام) وليلة القدر؟ يمكن الجواب عن ذلك بعدّة توجيهات: الأول: ما رُوي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في حديثه عن السيّدة الزهراء (عليها السلام) أنّه قال: "...وهي بضعة منّي، وهي قلبي وروحي التي بين جنبيّ، ...."(2)، فهي قلبه (صلّى الله عليه وآله) الذي أودِعَ فيه كلُّ ما هو مودع في قلبه (صلّى الله عليه وآله) وأبرزه القرآن الكريم؛ لقوله (تعالى): (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) (الشعراء:193-194)، وعلى هذا تكون السيّدة الزهراء (عليها السلام) ظرف القرآن الكريم المكاني، وليلة القدر ظرفه الزماني. الثاني: تميّزت ليلة القدر بتقدير أرزاق البشر وآجالهم وما سيسري عليهم من مختلف الأقدار، قال (تعالى): (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان:4)، على حين دُوِّنت أقدار أهل البيت (عليهم السلام) وما سيسري عليهم من المنايا والرزايا من أولهم إلى آخرهم في مصحف فاطمة (عليها السلام)، فقد رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خمسةً وسبعين يومًا، وكان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها، وكان يأتيها جبرئيل فيُحسِن عزاءها على أبيها، ويُطيّب نفسها ويُخبرها عن أبيها ومكانه، ويُخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها...."(3)، وبذا فليلة القدر هي ليلة التقدير لعامٍ واحد، والسيّدة الزهراء (عليها السلام) هي مستودع التقدير الذي يسري على الأئمة (عليهم السلام) إلى يوم القيامة. الثالث: ليلةُ القدر هي الليلةُ المباركةُ؛ لعظيم الثواب المرصود للعامل فيها، قال (تعالى): (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) (الدخان: 3)، والسيّدة الزهراء (عليها السلام) هي الأخرى المباركة؛ لكثرة ذرّيتها، ووفرة علومها الربّانية وكمالاتها النفسانية ومقاماتها الشريفة وكراماتها المنيفة، علاوةً على أنّه (تعالى) يضاعف الأعمال بحبّها. الرابع: انفردت ليلة القدر بالعظمة والشموخ والشرافة وعلوّ الشأن والرفعة حتى صارت سيّدة الليالي، والزهراء (عليها السلام) هي الأخرى انفردت بكلّ ذلك حتى صارت سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. الخامس: ليلة القدر مجهولة بين ليالٍ ثلاث، والسيّدة الزهراء (عليها السلام) مجهولة تاريخ الاستشهاد بين رواياتٍ ثلاث، على الرغم من علم أهل البيت (عليهم السلام) بكلتا الحقيقتين، وما سرُّ إخفاء ليلة القدر إلّا لحثّ المؤمنين على المزيد من الطاعات بالصلاة والدعاء وترتيل القرآن الكريم فيها، ولعلّ الحكمة من وراء إخفاء تاريخ استشهادها (عليها السلام) مشابهة لذلك، إذ تكمن في الحثّ على تكرار ذكر فضائلها ومظلوميتها لتأصيل الولاء والبراء. السادس: ليلة القدر ممّا يعجز العقل البشري عن إدراك كنهها، ولذا عبّر الله (تعالى) عن ذلك بقوله: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (القدر: 2)، إشارةً إلى تفخيم شأنها وتعجيز الخلق عن إدراك معرفتها. وكلّ ما سمح المقام بذكره من مقامات السيّدة الزهراء (عليها السلام) وغيرها، إنّما هو ممّا كشف عنها الله (تعالى) والمعصومون (عليهم السلام)، على حين معرفتها (عليها السلام) حقّ معرفتها هي ما تعجز عنه أفهامنا القاصرة، وممّا لا تناله عقولنا المحدودة؛ فهي روح المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وكفء المرتضى (عليه السلام)، لذا لا تُقارَن بالأنبياء بل بخاتمهم، ولا بالأوصياء بل بسيّدهم، وقد رُويَ عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "يا عليّ، ما عرف الله إلّا أنا وأنتَ، وما عرفني إلّا الله وأنتَ، وما عرفكَ إلّا الله وأنا"(4). فهي فاطمة، وما أدراكَ مَن فاطمة؟! ...................................................... (1) بحار الأنوار: ج 43، ص (65-54). (2) المصدر السابق نفسه. (3) الكافي: ج1، ص٤٥٨. (4) مختصر بصائر الدرجات: ج1، ص125.