رياض الزهراء العدد 180 تنمية البشرية
فُـقَّـاعَةٌ
كرة ذات غشاء رقيق، مملوءة بالهواء، تتموّج عند النظر إليها بكلّ الألوان الجميلة، وتجذب انتباه كلّ مَن تطايرت أمامه، بحيث ترسم الابتسامة على وجوه الجميع، وتتسابق الأيدي محاولةً لمسها، مع العلم أنّ هذه اللمسة ستكون آخر لحظات حياتها لتختفي في لحظة، ويُغلق الستار على المشهد المثير للاهتمام . مَن منّا لم يشاهد هذا المنظر ولو لمرّة واحدة في حياته؟ بل مَن منّا لم يكن هو اللاعب الرئيس لهذا الدور الجميل؟ وهو بطل التسابق ونيل وسام الفوز، إمّا لنفخ الفقّاعة، أو لوضع نقطة النهاية، ومن ثمّ لا يبقى أيّ أثر يُذكر لها . هناك في تفاصيل حياتنا مَن هم مثل الفقّاعة ذات الجمال الخارجي اللافت، والرقّة في الحركة، وسرعة التنقّل بين الأشخاص والأفكار والمعتقدات، ومن المؤسف هناك تزايد لتلك الفقّاعات المجوّفة من الداخل، وليس ذلك فحسب، بل إنّ الأدهى والأمرّ عندما تكون تلك الفقّاعة مليئة بعكس ما هو في الخارج، وهنا يرد إلى ذهني الآية الكريمة: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (الشعراء: 226)، ظاهرهم جميل منمّق وباطنهم بشع مشرذم، يدعون إلى الحَسن من القول، يوصون بالأعمال الجيدة، وعند التجربة تجدهم أبعد ما يكونون عمّا تتلفّظ به ألسنتهم . لعلّ من أفظع الأمور اختلال الموازين التي يصعب على الإنسان حينها تمييز الصالح من الطالح، فتتلاشى القيم والمبادئ ويصعب على الفرد أن يبصر الطريق، عندها ينتشر الشعور بعدم الأمان والخوف من المحيط، ويسود التوتّر والقلق، ومن ثمّ يعمّ المجتمع غيمة سوداء من الشكّ في كلّ كلمة أو نظرة مهما كانت مسالمة، ومن المسلّم به أنّ من أبرز سمات المجتمع المؤمن هو الشعور بالأمان والاطمئنان لما يبثّه هذا الدين القيّم من مبادئ وقيم تنشر روح المحبّة والأخوّة، وأنّ الجميع هم أجزاء من هيكل واحد لا ثاني له، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "أحببْ أخاكَ المسلم وأحببْ له ما تحبّ لنفسكَ، واكره له ما تكره لنفسكَ، إذا احتجت فسَلْه، وإذا سألكَ فأعطِه ولا تدّخر عنه خيرًا، فإنّه لا يدّخره عنكَ ..."(1)، وهذا ما نصبو إليه جميعًا: بيئة هادئة مطمئنّة، يعيش فيها الجميع في كنف الأخوّة في الدين، ويتطابق فيه الظاهر مع الباطن بأقرب نسبة ممكنة، وربّما من أهمّ عوامل الحصول على هذه البيئة هو تضافر عاملينِ، ألا وهما الاعتقاد والعمل، فيكون الاعتقاد بأهمّية التلاحم الإيماني، وضرورة الشعور بالانسجام الفكري والروحي قربةً لوجه الله تعالى، مثلما يجب العمل بهذا الاعتقاد لكي نصل به إلى دائرة التطبيق العملي، والتخلّي عن الأبواق التي تترنّم بالكثير من الشعارات الفارغة المحتوى، بل ينبغي ترجمتها إلى سلوكيات حيّة مثمرة ذات أثر واقعي ملموس، ولا يتمّ ذلك إلّا بالاقتران بعلوّ الهمّة التي قال عنها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "خيرُ الهِمَم أعلاها"(2)، ونستلهم من قول الإمام (عليه السلام) ضرورة السعي لتجاوز كلّ العقبات والصعاب؛ لتحقيق الهدف المنشود والمبني على أساس متين وسامٍ؛ لنيل رضا الله سبحانه وتعالى. عندئذ لن تكون هناك فقّاعات مجوّفة الداخل، بل سيكون الظاهر الجميل نتاجًا وثمرةً لباطن رصين وأساس قويم، أصله ثابت وفرعه في السماء، يؤتي أكله كلّ حين بإذن الله تعالى . ........................................ (1) بحار الأنوار: ج ٧١، ص ٢٢٢. (2) ميزان الحكمة: ج4، ص 3468.