«إنَّما أهلَكَ النَّاسَ العَجَلَةُ...»
بعد الحديث عن موارد العجلة المذمومة، يأتي الحديث عن المضارّ والآثار السلبية لها. بشرى: لا نجد نهيًا إلهيًا عن شيء إلّا وفيه مفاسد، وهذه القاعدة تجري في النواهي كلّها، سواء أدرك الإنسان الضرر والمفسدة، أم لم يدركها لمحدودية علمه، وقد وجد الإنسان في النواهي الإلهية ضرر ارتكابها، ولمس مفاسدها وآثارها السلبية، وهذا ينطبق على موضوعنا أيضًا، وهو العجلة، فإنّ الله سبحانه لم ينهَ عنها إلّا لما تحمله من مفاسد، من فتح باب الأزمات وإحداث الخلل في الحياة، وقد حدّدت لنا الأحاديث والروايات الشريفة بعض هذه المفاسد، أذكر لكِ منها: 1) الهلاك: رُوي عن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنَّما أهلَكَ النّاسَ العَجَلَةُ، ولَو أنَّ النّاسَ تَثَبَّتوا لَم يَهلِكْ أحَدٌ"(1). مرّت علينا بعض الآيات التي تحدّثت عن أقوام ضلّوا ولم يؤمنوا بالرسالات السماوية، وحاربوا الأنبياء (عليهم السلام)؛ فهلكوا نتيجة عجلتهم فخسروا الدنيا والآخرة، وهناك العكس. آمنة: هل يُمكن أن يُضرب المثل بملكة سبأ في التأنّي وعدم العجلة؟ بشرى: نعم، فلو لم تتثبّت وتتريّث، بل ردّت على كتاب سليمان (عليه السلام) بالرفض تسرّعًا وعجلةً واستكبارًا، لما وصلت إلى السعادة، ولما حصل في حياتها تحوّل كبير، فقد كانت تسجد للشمس، وإذا بها في نهاية المطاف تعلن عن إيمانها قائلةً: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (النمل: 44)، فكيف حصلت هذه العاقبة الحسنة؟ إنّها نتيجة التريّث. آمنة: ما أجملها من عاقبة! 1. الندامة: رُوي عن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "فِي العَجَلَةِ النَّدَامَةُ، في الأناةِ السّلامةُ"(2)، الندم شعور قاسٍ على النفس، يعكس أنّ هناك خيارات وبدائل وفرصًا لم يغتنمها الإنسان، بل لجأ إلى خيارات وبدائل أوقعته في محاذير ومشاكل، فيتحسّر الفرد ويحزن لأنّه كان مختارًا في المقدّمات، فقد كان بإمكانه أن لا يعجل ويذهب إلى خيار وقرار يولّد الكثير من المشاكل في حياته، فالنتيجة هي الندم، فعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "العَجَلُ قَبْلَ الإِمكَانِ يُوجِبُ الغُصَّةَ"(3). 2. السقوط في الأخطار: رُوي عن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "العَجَلُ يُوجِبُ العِثَارَ"(4)، توجد معيّة بين العجلة والأخطار، وعادةً لا تكون هناك عجلة إلّا وبجانبها أخطار مرهقة ومكلفة، بخاصّة إذا كان الموضوع أمرًا مفصليًا ومهمًّا في حياة الإنسان، تأمّلي في المثالين الآتيين: العجلة في الزواج والطلاق، فالعجلة في اختيار شريك الحياة، وعدم مراعاة معايير الزواج الصحيحة من السؤال والمشورة، بل الزواج على أساس المزاج، سيوصل الأمور إلى نتائج وتداعيات سلبية، فلا بدّ من رفد البنت أو الشاب بالرأي السديد، فهما لم يجرّبا الحياة بعدُ، وكذلك العجلة في الطلاق، فالكثير من حالات الطلاق التي حصلت وتحصل كانت بقرار متسرّع، وكانت العجلة هي سيّدة الموقف، وتمّ القفز على جميع المراحل التي ينبغي أن يمرّ بها الموضوع، مثل استشارة أهل الحكمة والإصلاح، ودراسة الأسباب، وغير ذلك من الخطوات، فكانت النتيجة النهائية التشتّت والضياع؛ لذا يقدّم الإسلام الوقاية قبل العلاج، فيأمر بالتأنّي وعدم التسرّع، ويبيّن محاسن التريّث. آمنة: وقانا الله من تداعيات أمور كهذه. يتبع... ............................................. (1) ميزان الحكمة: ج 7، ص 80. (2) غرر الحكم ودرر الكلم: ص480. (3) المصدر السابق. (4) المصدر السابق: ص267.