شَهرُ رَمضانَ المُباركُ فِي بَعضِ البُلدانِ الإِسلامِيَّةِ
تختلف عادات الشعوب المسلمة وتقاليدها في أيام شهر رمضان المبارك، إذ لكلّ منهم تقاليده التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، ولكن اتّفق العالم الإسلامي على صيام شهر رمضان وقيامه وإحياء ليالي القدر وإقامة المحافل القرآنية التي تكاد تضمحلّ وتنعدم في باقي الشهور، وتتفاوت أيضًا طقوس استقبال الشهر المبارك بين الدول الإسلامية، ويتميّز عراقنا الحبيب بتنوّع العادات والتقاليد المتأصّلة فيه، من الإفطار الجماعي للأقارب والأصدقاء، إلى إحياء ليالي القدر وإقامة مجالس العزاء لذكرى استشهاد مولى الموحّدين ويعسوب الدين أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن العادات المستمرّة توزيع الطعام على بعض الجيران، وهناك عادات وتقاليد مشتركة مع الأشقّاء العرب والمسلمين، وبعض الأحيان في البلد الواحد نفسه نجد كلّ عائلة لها عاداتها لاستقبال الشهر الفضيل وتوديعه، فهناك عادات متأصّلة لدى أمّهاتنا تناقلنَها على مرّ السنين مع إضافات من أمّهات اليوم بما يتناسب والعصر الحديث. في جولة لرياض الزهراء (عليها السلام) بين بعض العوائل التي حدّثتنا عن نبذة مختصرة من عادات رمضانية مستمرّة، نعرض لكم الآتي: البحرين أمّ كميل/ ربّة منزل: إنّه شهر الرحمة والمغفرة، شهر الخير والبركة على جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ما أجمله من شهر! تفرح فيه النفوس وتحنّ على بعضها بالخير، مع اقتراب الشهر المبارك تأخذنا الذكريات الجميلة إلى أجمل اللحظات المليئة بالرحمة والمغفرة، ومن عادة أهل البحرين الصلاة في المساجد في الأوقات الثلاثة، وتنعقد الدروس القرآنية والدروس الفقهية المتعلّقة بمسائل الصوم وغيرها بعد صلاة الظهرين، وأمّا ليلًا فتُفتح البيوت للمحافل القرآنية الرجالية، ويُختم القرآن الكريم مرّة أو مرّتين في الشهر الفضيل، ولا ننسى كرم الله في هذا الشهر، وما يتمّ إعداده من أصناف الأطعمة لوجبة السحور بعد الانتهاء من قراءة القرآن، وتُقام المحافل النسوية نهارًا، وتشتمل على دروس في القرآن الكريم وبعض الدروس الفقيهة الخاصّة بمسائل الصوم، وإقامة المأتم الحسيني، فترتاد النساء المساجد نهارًا لحضور الدروس القرآنية أو قضاء ما في ذمّتهنّ من الصلاة، ففي كلّ يوم يقضينَ صلاة يوم واحد، ومن سنوات عديدة يتمّ إعداد البرنامج نفسه بصورة مستمرّة لقضاء الصلاة في مساجد عديدة، ومن العادات المستمرّة زيارة الأهل والأقارب في هذا الشهر الفضيل، وتقديم المساعدات المادّية للمحتاجين، وأمّا العوائل فتستعدّ لاستقبال الشهر الكريم بشراء الأواني الجديدة والتفنّن في الشراء، وبعد ذلك يتمّ وضع علامة على الأطباق من الخلف بمادّة الصبغ بلون مميّز للبيت الواحد للتعرّف عليها في أثناء توزيع وجبة الفطور، ويتمّ شراء الموادّ الغذائية التي تعدّ من الأمور المهمّة، إذ تشتهر البحرين بعدد من الأكلات الشعبية مثل الهريس والبلاليط وغيرها. لبنان دلال العطّار/ مخرجة ومقدّمة برامج: على الرغم من قسوة الظروف التي تمرّ على اللبنانيين في أزمة الدولار وهي الأسوأ في تاريخ البلاد، لكن تبقى لبنان متميّزة في شهر رمضان بعادات وتقاليد دينية واجتماعية وثقافية تكاد تكون واحدة بين مختلف المناطق اللبنانية، إلّا أنّ لكلّ منطقة سواء في الجنوب أو الشمال أو البقاع أو بيروت أو الجبل، خصوصيتها وعاداتها وتقاليدها، هذه العادات تمثّل ثقافة هذا المجتمع وحضارته، مع اتحاد الكرم والجود وزيادة العلاقات الاجتماعية في جميع المناطق اللبنانية. ومن أهمّ العادات المتداولة ما يسمّى بـ(سيبانة رمضان)، حيث تعمد العائلات والأصدقاء في نهاية آخر أسبوع من شهر شعبان وقبل بداية شهر رمضان إلى الاجتماع والذهاب في نزهات، إمّا إلى الطبيعة أو الأنهر أو القرى، وإمّا في البيوت، وتقديم كلّ ما لذّ وطاب من الأطعمة والمشروبات. وهناك الصديق الدائم المرافق لشهر رمضان المبارك، وهو رمز لا بدّ منه في كلّ المناطق اللبنانية، يعشقه الصغار قبل الكبار، وهو (المسحّراتي)، صديق الصائمين، يجوب الشوارع في أوقات السحر والأطفال يسيرون خلفه، يقرع على طبلة صغيرة بعصا من الخيزران؛ لإيقاظ الناس وقت السحور بضربه على الطبل وإنشاده بعض الأشعار والردّيات، من أمثال: "يا نائم وحّد الدائم"، و"يا ناس قوموا على سحوركم، جاء رمضان ليزوركم". لطالما كنّا نخاف من صوت المدافع، لكن هناك مدفع ننتظر سماعه، ألا وهو (مدفع الإفطار)، تقليد عرفه اللبنانيون لتنبيه الناس على حلول أوقات الإفطار في الشهر الفضيل عن طريق إطلاق طلقة مدفعية عند الغروب طوال أيام شهر رمضان. وأهمّ ما يتميّز به الشهر المبارك (فوانيس رمضان)، وهي مصابيح مختلفة الألوان والأحجام، تُستخدم في تزيين الشوارع ومداخل المساجد والبيوت بصفتها تقليدًا سنويًا، وتُنشر هذه الفوانيس على الطرقات مترافقة مع لافتات ترحّب بقدوم الشهر الكريم. تزدهر في شهر رمضان المبارك تجارة المأكولات والخضار والفواكه والحلويات والعصائر والتمر والمكسّرات، ولا تخلو مائدة في شهر رمضان من سَلَطة "الفتّوش" اللبنانية الشهيرة، التي تضمّ معظم أنواع الخضار مع الخبز المحمّص، وهو ما يبدأ به الصائم إفطاره عادةً بعد تناوله الحساء، ومن المشروبات الخاصّة بهذا الشهر (الجلّاب) وعصير (التمر الهندي) و(عرق السوس) و(الخرنوب) و(قمر الدين) المشمش المصفّى، ثمّ تُختم المائدة بأصناف الحلويات العربية، وأكثرها رواجًا: حلاوة الجبن، والكلاج، والقطايف. وعلى الرغم من غلاء المأكولات وتبدّل أحوال الناس، إلّا أنّه لم تنقرض عادة تبادل الأطباق بين الجيران، أو ما يُعرف بـ(السكبة) التي تضفي على المائدة الرمضانية جوًّا من البهجة والسرور بمشاركة الطعام فيما بينهم. وهناك مَن يحرص على إقامة مجالس للمدائح النبوّية في أثناء الشهر المبارك، وتنظيم مسابقات في قراءة القرآن الكريم في المساجد، يتخلّلها مباريات في حفظ القرآن وتلاوته. سوريا أمينة مجدي عبد الله/ ربّة منزل: يُعرف الشعب السوري بطقوسه الخاصّة للاحتفال بشهر رمضان المبارك، وعلى المستوى الشعبي يتميّز شهر رمضان بالعطاء والتعاون وروح الودّ المنتشرة بين السوريين عن طريق تبادل الزيارات العائلية وصلة الرحم، مثلما يكثر عمل البرّ والخير والإحسان إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين والأرامل، ويلتزم المسلم في الشهر الكريم بأداء الفروض والطاعات، ومن عاداتنا وتقاليدنا المتوارثة وجود (المسحّراتي)، الذي يقوم بإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور عن طريق ضرب الطبلة، وممّا يقوله: "قُم يا صايم، وحّد الدايم"، ومن أشهر المشروبات في شهر رمضان عصير (قمر الدين)، (عرق السوس)، (التمر الهندي)، (شراب التوت)، مثلما يحرص السوريون على مراعاة عادات شهر رمضان وطقوسه، بخاصّة من ناحية الطعام، فيتمّ تزيين المائدة السورية بما لذّ وطاب من أشهى الأكلات، ولا يزال السوريون يحافظون على العادات والتقاليد الخاصّة بهذا الشهر، فكلّما حلّ الشهر الفضيل حلّت البركة والطمأنينة في قلوب الجميع. تتفاوت العادات والتقاليد الرمضانية حول العالم، وبخاصّة الدول العربية التي تمتلك كلّ منها موروثها الخاصّ الذي تناقلته الأجيال جيلًا بعد جيل، ولكن تشترك تلك الشعوب في عمل الخير ومساعدة الفقراء وزيارة الأحبّة والأقارب، فالعراقي والسوري والمصري واللبناني وكلّ العرب يتّفقون في ذلك مع التنوّع في عاداتهم وتقاليدهم وأصناف الطعام التي تعدّ في أيام هذا الشهر فقط، أعاده الله على المسلمين بالخير واليُمن والبركات.