رياض الزهراء العدد 180 منكم وإليكم
عِيدُ الفِطرِ.. امتِدادٌ للنَّفَحاتِ الإلهِيَّةِ
دعوة إلى ضيافة الله، وتمرين ربّاني على الصبر والاستغفار، وفرصة سانحة للتوبة والعودة إلى ساحة الحقّ المتعال. كلّ ذلك نلمسه في ساعات شهر رمضان المبارك وأيامه ولياليه، حيث يتغيّر نظام الحياة على حين غرّة، وتنقلب بعض الثوابت، ممّا يتوجّب علينا إجراء بعض التغييرات في أوقات النوم والطعام والعبادة، وهكذا يبدأ العدّ وينتظم الجميع في سلسلة التغييرات المستحدثة في ربوع هذا الشهر العظيم الأجر. وعلى هذه الكيفية تتسرّب الليالي الشريفة، وتمضي في عدوها وصولًا إلى فجر يوم عيد الفطر المبارك، فتتعالى عندئذ التكبيرات وتبتهج النفوس بحلوله، ويصطفّ المصلّون لإداء صلاة يوم العيد، بينما ينتظر الصغار انكشاف النهار على أحرّ من الجمر، مثلما ينتظرون نضوج قطع الحلوى والمعجّنات اللذيذة . ويبدأ الأهل بتبادل التهاني مع الجيران والأحباب، ويلبس الصغار ثيابهم الجديدة، وهم على أهبّة الاستعداد لاستقبال الضيوف الذين سيملؤون جيوبهم بقطع النقود . وتعود الحياة أدراجها إلى ما كانت عليه قبل شهر الله المجيد، والأسئلة المهمّة التي تتبادر إلى ذهن كلّ ذي لبّ رشيد تقول: إلى أيّ مدى يفكّر العبد وهو في ضيافة الله بالتوبة والإنابة؟ وإلى أيّ مدى قد أثّرت روحانيات شهر الله في أخلاقه وجوارحه؟ وهل هو قادر على ترميم سلوكياته وتصرّفاته؟ إنّ ثمرة انقضاء الشهر تتجلّى في إثارة تلك الأسئلة؛ لأنّها تساعد على أن تؤتي الشجرة أُكلها عبر التزوّد من شهر الطاعة، بوصفه شهر الانطلاق والتغيير، ولكن البعض ويا للأسف الشديد بمجرّد أن ينقضي الشهر ويستقبل عيد الفطر، فأنّه يستقبله بالعصيان وارتكاب الموبقات وفعل المنكرات، وكأنّ عيد الفطر الأغرّ مدعاةٌ إلى اللهو والعبث والتمرّد على الله جلّ في علاه، أو إيذانٌ بالانقطاع عن طاعته وترك أحكامه بعد تلبية الدعوة من قيام وصيام طوال الشهر الكريم، لا أنّه بمثابة قنطرة تتيح للعابرين تذوّق خيرات شهر الله تعالى، والانتقال إلى مراحل أخرى تزدان بالمداومة على الطاعات، والانتهال من رحيق العمل الصالح وكسب الحسنات . وبما أنّ التدبّر والتفكّر ضروريان في شهر الله، كان من اللازم والضروري أيضًا التدبّر والتفكّر في أيام عيد الفطر المبارك، فكم من قطيعة رحم يمكن مدّ جسورها من جديد بنفحات عيد الفطر، وكم من محتاج يقف على عتبة الأمل والرجاء ينتظر طرق بابه في أيام عيد الفطر، وكم من يتيم كفكف دموعه منتظرًا يدًا تربّت على كتفه ليلة العيد السعيد وتدغدغ مهجته، وكم وكم..!! لذا فإنّ شهر رمضان مقدّمة لاستكمال أعمال البرّ وصولًا إلى عيد الفطر المبارك، وامتداد للمعروف والإحسان، ومثلما كان شهر الله معراج المؤمن إلى ربّه، صار عيد الفطر موسم حصاد الخيرات التي لم ولن تنقطع مادام العبد في دائرة العناية الإلهية .