هُويّتُكِ صُنعُ يَديْكِ

مريم حسين العبودي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 368

تدخلين ضيفة على أناس تلتقينهم للمرّة الأولى، فتقدّمكِ صديقتكِ لهم قائلةً: فلانة الفلاني، صاحبة كذا وكذا، تعمل في المجال الفلاني، و...، إلى غيرها من المعلومات الشخصية. هل فكّرتِ من قبلُ كيف تودّين أن تُقدّمي للآخرين؟ ما الكلمات التي تريدينها أن تملأ الفراغات السابقة؟ ما المهنة والكنية؟ كيف ستكون بطاقتكِ التعريفية، ومَن المسؤول عن إنشائها؟ هذا ما يستحقّ أن تلتفتي إليه وتفكّري به كلّ يوم، أن تنظري إلى موقعكِ في الحياة، وهل أنتِ في المكان المناسب، أو المكان الذي ترتضينه لنفسكِ؟ إنّنا نولد ولا رأي لنا في اختيار الأهل الذين ننشأ في كنفهم، ولا نملك الأمر في تنشئتنا الأولى، لكن ما إن ندخل في مرحلة الوعي والنضج المعرفي والاجتماعي حتى يتحتّم علينا أن نقرّر كيف تُرسم صورتنا للآخرين، كيف نُرى في أعين الأفراد والمجتمعات؛ لأنّ سلوك أيّ درب في الحياة سيكون إضافة جديدة لسيرتنا الذاتية، تلك التي إمّا نستعرضها فخرًا، أو نخبّئها خجلًا. إنّه عصر يجري جري الغزلان، لا يتريّث أو يتأنّى، ينتهي اليوم بسرعة ويتلوه آخر، يتداخل الليل في النهار، ولا يبدأ الصباح إلّا ويغشاه الظلام، وبين طلوع الشمس ومغربها ينبغي أن تسعي إلى تحقيق الكثير من مشاغل الحياة، والسعي الدؤوب لتحقيق الذات والانتصار على آفة الجهل والتأجيل. أنتِ نتاج نفسكِ فحسب، وما تريدين أن تبني نفسكِ عليه، فخلاصة تراكماتكِ، إخفاقاتكِ، ونجاحاتكِ، التفاصيل الصغيرة التي تصنعينها بنفسكِ لنفسكِ بعد مرحلة عمرية محدّدة، كوني متيقّنة من أنّكِ المسؤولة عن كلّ ثانية تمرّ من عمركِ، عن كلّ الأيام التي تُسجّل في تاريخكِ، لم يكن لكِ الحقّ في اختيار بدايتكِ، ولكن لكِ حقّ اختيار نهايتكِ، لم تكوني مذنبة في ساعة ولادتكِ، لكنّكِ ستكونين آثمة في ساعة موتكِ إن متِّ على حال لم تكتسبي فيها شرف المرور بالحياة والخروج منها بفخر وترك أثر طيب يُترحّم عليكِ من بعدكِ. بيدكِ زمام الأمور ومِقوَد المركبة، لكِ وحدكِ إمكانية خلق الحياة في روحكِ، محاربتكِ لجهلكِ، بدايتكِ، سرعة غضبكِ، الأصدقاء المحبطون من حولكِ، صحّتك المتداعية، ضعفكِ واستخفافهم بقدراتكِ، درجاتكِ السيّئة في الدراسة، الساعات التي تقضينها والسمّاعات في أذنيكِ والهاتف المحمول في يدكِ. أنتِ المسؤولة عن الحياة التي تقضينها بلا حياة، عن الأيام التي تمرّ عليكِ بدون أن تخطي خطوة واحدة إلى الأمام، والبقاء في مكان واحد تعدّينه زاوية الراحة التي لا تجرئين على عبور حدودها، مهما اهتمّ الآخرون لأمركِ فلن يصل اهتمامهم بكِ للدرجة التي تعرفين أنتِ بها نفسكِ، وتعلمين كيف تُسمّين بها، عليكِ أن تكوني مستعدّة للخطوة التالية، لمجابهة العقبات على اختلاف أحجامها، أن تزيحيها جانبًا وتكملي طريقكِ، أن تقتلعي الأعشاب الضارّة التي تنمو أمامكِ فتحجب عنكِ نور الشمس؛ لأنّكِ تعلمين في قرارة نفسكِ أنّ لكِ نجمكِ الخاصّ في هذا العالم، وأنتِ مَن سيتحكّم بقوة بريقه، وتيقّني بأنّ شدّة الظلام من حولكِ لن تزيدكِ إلّا سطوعًا.