رياض الزهراء العدد 180 ألم الجراح
نَسِيمُ البَهْجَةِ في دِيارِ سَامُرَّاءَ
في مدينتي حنين لا يوصف بالكلام، يعادل كلّ ما قرأه الناظرون من أشواق السنين. ففي مرقد العسكريّين (عليهما السلام) تلهّف وعشق لا يفسح في القلب مكانًا لعشق سواه، هو عشق الوليّ، فها هو البدر قد اكتمل في سماء مرصّعة بنجوم متلألئة، حوّلت ليالي سامرّاء الداجية إلى نور يغشى الأبصار في أيام صيام شهرٍ هو بركة الشهور، ومصدر للخيرات والرحمات. فيتدفّق من الكوثر معين مبارك، هو أول وليد لأمير المؤمنين والزهراء (عليهما السلام). أول بدر في الأفق العلوي، ذو محيًّا يتهلّل بالضياء. تلاقفت الأيدي الطاهرة ذلك المولود الحَسن ليصل إلى أحضان الرسالة، حضن جدّه محمّد (صلّى الله عليه وآله) ليلقّنه الشهادة ويشرح صدره بسماع صوته، فيزداد بهاؤه بهاءً، وجماله حُسنًا وكمالًا، إنّه الحسن المجتبى (عليه السلام). فيبتسم وجه الكوثر (عليها السلام) على استحياء، على الرغم من عنائها وتعب الولادة. فتنشر بابتسامتها عبقًا فوّاحًا من التقى والقوة، مثلما تنشر الزهرة النديّة عبيرها؛ ليترامى في الكون شوقها المتعاظم لبِكرها، ذلك الحبيب الذي أودعت في ثنايا قلبه الصغير كلّ حبّها وأحلامها، وما امتلأ به كيانها من يقين وإيمان. وأطلقت كلّ مكنون من اشتياقها في فضاء قبلاتها التي غمرته بها حالما طلّ وجهه الملائكي بين يديها؛ لينهل من شخصها المعين الذي لا ينضب من العلم والرفعة. تناقلت المدينة المنوّرة رحمات الله الواسعة التي هطلت من السماء بولادة المجتبى (عليه السلام) المباركة، وتعالت أصوات التكبير والتهليل احتفاءً بالولادة الميمونة؛ ليفرح الكون وكأنّه لم يبتهج من قبلُ، حيث نبضت قلوب الكائنات المشتاقة إليه، فخفقت مع خفقات أجنحة الطيور، وانتشت الزهور بعبقها، وشعشعت بطلّتها الملوّنة، فقد وُلِد المولود الطاهر في بيت الوحي والتنزيل، مباركًا من الربّ الجليل، أذهب الله عنه الرجس مثلما أذهب عن والديه وجدّه وطهّرهم تطهيرًا؛ ليكونوا للبشر شموسًا يستضيئون بها ويهتدون بهديها. سامرّاء، إنّ القدر ليرسم لوحته المبهجة على أقوم حال، فتجمّلت وتزيّنت تلك الصور لذكريات سعيدة، بولادة النور الأول من آل بيت محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وستكتمل بعون الله بقيّة الأنوار المقدّسة لتكوني جديرة بحقٍّ بولاية آل البيت (عليهم السلام).