مِفتَاحُ الفَلاحِ

ولاء قاسم العبادي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 181

تتعدّد الأهداف والغايات البشرية بتعدّدِ الفلسفات والتوجّهات الفكرية والقناعات الشخصية؛ فهناك مَن يهدف إلى تحقيق السعادة المادّية، وهناك مَن يهدف إلى تحقيق السعادة الروحية، وهناك مَن يحاول الجمع بينهما، ومهما شرّق الإنسان وغرّب فلن يجد مَن يرشده إلى سعادته سوى خالقه (جلّ جلاله)، ولا غرو في ذلك؛ فمثلما لا يعلم بما يصلح لجهاز كهربائي ما من ظروف وما يفسده منها أكثر من صانعه الذي صنعه، كذلك لن يعلم ما يصلِح الإنسان وما يفسده، وما يشقيه وما يسعده سوى خالقه الذي أوجده (جلّ وعلا شأنه). وقد أوضح (سبحانه) سبيل الفلاح في قوله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس 7-10)، إذ أودع في النفس الإنسانية القدرة على التمييز بين الفجور وهو سبيل ارتكاب المعاصي واقتراف الذنوب والضلال والغواية، وبين التقوى وهي سبيل السلامة والطاعات والهداية، ثم جعله مختارًا ذا إرادة، يختار بنفسه أيّ السبيلين شاء. ولذا كان هدف المؤمنين والمؤمنات تزكية أنفسهم وأهليهم، عملًا بقوله تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم:6)؛ عبر أداء الواجبات، واجتناب المحرّمات، وتخلية النفس من الرذائل، وتحليتها بالفضائل. بيد أنّ كُلًّا من الفقه (الأحكام الشرعية) والأخلاق مُبتنٍ على أساس، هو أساس الدين كلّه، ألا وهو العقيدة؛ فإن لم تصلح العقيدة فلن يصلح أيّ من الفقه والأخلاق؛ ولذا فإنّ السبيل الأوحد إلى تزكية النفس ومن ثمّ الفلاح هو معرفة العقيدة الحقّة معرفةً دقيقة شاملة، واليقين بها يقينًا راسخًا، فقد رُويَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "أولُ الدّينِ معرفتُه"(1). ومن هنا كان مفتاح تربية الأبناء - فضلًا عن النفس- تربيةً دينيةً رصينةً تحصّنهم من الشبهات، والانزلاق في الشهوات، أو تعالجهم من الآفاتِ الخُلُقية والاستهانة بالأحكام الشرعية، هو تأسيس أساسٍ عَقَدي رصين؛ ليُبنى عليه الفقه والأخلاق على نحو ركين، لا تهزّه العواصف الفكرية المضلّلة، ولا تطيح به الملذّات والفتن المزلزلة. فمَن يُغرس فيه حبّ الله (تعالى) سيسعى إلى رضاه، ولا يترك واجبًا، ومَن يتيقّن من أنّ الله (جلّ جلاله) يراه ليلًا ونهارًا، فإنّه لا يرتكب مُحرّمًا، ومَن يعتقد بعدله (سبحانه) لا يتبرّم من القضاء والقدر، بل يرضى بما تطاله من نوائب ويتسلّح لمواجهتها بالصبر، ومَن يعتقد بأنّ المعصوم ـ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)- مُفترض الطاعة، لا يحيد عن أوامره ونواهيه، ومَن يعتقد بيوم القيامة، يرى عند كلّ فعل وقول النعيم المقيم، ونار الجحيم أمامه. .............................................. (1) نهج البلاغة: ج1، ص72.