رياض الزهراء العدد 182 أنوار قرآنية
النِّفَاقُ مَرَضُ القَلبِ
الفقر عنوان لا يقتصر على الجانب المادّي فقط، بل يشمل الجانب الروحي، فمثلما أنّ هناك أمراضًا بدنيةً يكون الإنسان ضحيّتها، هناك أمراض روحية تفتك بشخصيته وتزعزع إيمانه كالنفاق. وفيما أوصى به أمير المؤمنين ابنه الحسن (عليهما السلام) قائلًا: "يا بنيّ، إنّ من البلاء الفاقة، وأشدّ من ذلك مرض البدن، وأشدّ من ذلك مرض القلب"(1). ووصف القرآن الكريم حال المنافقين بأنّهم أشدّ خطرًا من الكافرين، فقال تعالى: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ )(المنافقون: 4). والنفاق يستشري في القلب كالسمّ في البدن، فيبدأ ببذرة ثمّ يتحوّل إلى سلوك، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّ النفاق يبدو لمظة سوداء، فكلّما ازداد النفاق عظمًا ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسودّ القلب"(٢). وللنفاق أسباب، منها تحقيق المصالح، فيحاول المنافق التظاهر بالانتماء إلى أشخاص للوصول إلى مصالحه، والوقوف بوجه الحقّ أحيانًا لأجل تحقيق المصالح الشخصية(٣). وقد تكون الأحقاد والبغض سببًا آخر، فالمنافق يعيش حالة من الفوضى وعدم الانتماء إلى مجتمع واحد: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) (النساء:١٤٣). مثلما يصدّ عن طريق الحقّ، ويضلّ الآخرين، وقد ورد وصف المنافقين في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام): "... وأحذّركم أهل النفاق، فإنّهم الضالّون المضلّون، والزالّون المزلّون"(4). وذم الله المنافقين بقوله تعالى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ (المنافقون:4)، فهم كالخشب، أشباح بلا أرواح، لا فائدة تقربها لكونهم لا يفقهون(5). وبسبب تماديهم في الضلال، سلبهم الله (عزّ وجلّ) القدرة على التمييز:(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:٩). فعلى الإنسان أن يكون بوجه واحد وجبهة واحدة، ويترك التلوّن الذي سرعان ما يزول بمرور الزمن. ............................ (1) بحار الأنوار: ج 67 ، ص 51. (2) ميزان الحكمة: ج 10، ص 3338. (3) عن تفسير الأمثل بتصرّف: ج١، ص١٣٣. (4) البحار: ج ٦٩، ص ١٧٦- ١٧٧. (5) يُنظر تفسير الميزان: ج ١٩، ص ٢٧٨.