رياض الزهراء العدد 182 تنمية البشرية
إِلّا مَا سَعَى
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (النجم: 39)، كلّنا نعلم أنّ الدستور الأول لنا نحن المسلمون هو القرآن الكريم، ومن بعده يكون كلّ ما ورد إلينا عن رسولنا الكريم (صلّى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وكلامهم من نور واحد، وعند التمعّن في الآية السابقة نجد أحد قوانين الدستور الإلهي واضح المعالم، وهو قانون العطاء والجزاء، أو الجدّ والاجتهاد والمكافأة، فعندما نريد الوصول إلى مكانة معيّنة في ميدان العمل على سبيل المثال، يتوجّب علينا أن نبحث عن خطوات النجاح وآليات تخطّي العقبات، ونضع بين يدي التفوّق كلّ ما يطلبه ليثري حياتنا بما نصبو إليه. وممّا لفت انتباهي وأنا أتصفّح المنشورات عبارة: (مُتْ فارغًا)، فقرعتُ ناقوس التفكير لما يؤول إليه معناها، إذ كيف للإنسان أن يموت فارغًا؟ وما الذي كان يملؤه ليتمّ إفراغه منه؟ أسئلة كثيرة راودتني وجعلتني أطرق أبواب مخيّلتي لأتحرّى عن الإجابة، فوصلتُ إلى ضفاف نهر الأعمال التي تملأ أيامنا، وتحيطها بهالات من المشاعر والأفكار، فربّما هناك مَن يطلب العلم لغرض التفاخر والتعالي على الآخرين، وهناك مَن يشتري من الأدوات ما لا يحتاجه، فقط ليُقال عنه متمكّن مادّيًا وغنيّ، وقد يكون البعض ثريًا بمعلوماته لكنّه يبخل بتقديم أيّ كلمة منها بدعوى أنّه قد بذل الجهد الكبير في تحصيلها، وتناسى أنّ ما لديه هو من رزق الله الواسع الذي منَّ به عليه، لذا هو مملوء بشكل وهمي بلا فائدة تُذكر، سواء له أو لغيره. وعند العودة إلى الآية الكريمة نجد أنّ السعي الحقيقي يكون بتحديد الغاية الكبرى التي الإنسان يريد الوصول إليها في نهاية المطاف، والتي يلحّ ويتحدّى بها متاهات الحياة لسعادة أبدية. كلّ سعي سيرى المرء عاقبته وجزاءه، سواء كانت جيدة أم لا، وعليه أن يتّخذ الوسائل المناسبة منذ أن تقدح الفكرة في المخيّلة ليحدّدها، ويقوم بتدوين كلّ ما يخطر في باله من خطط واستراتيجيات وتحرّكات، ومن ثمّ يبحث عن الأدوات المساعدة في التنفيذ والجهات المساندة؛ لينطلق في رحلة تحقيق الهدف. إنّ ما ذُكر يندرج تحت السعي الحقيقي الذي سيصل الساعي معه إلى ساحل السعادة المرجوّة في الدنيا والآخرة. ولذلك تكون عبارة (مُت فارغًا) صحيحة، فارغًا من الكره والحقد للآخرين، ومن العلم الذي لا ينفع، فارغًا من اكتناز الأموال، فقط خذ معكَ ما سعيتَ لأجله من رضا الله سبحانه وتعالى، والعمل الصالح، ودعاء المؤمنين لكِ.