رياض الزهراء العدد 182 لحياة أفضل
مُغامَرَةُ الرَّصِيفِ
ترجّلتُ من سيارتي ووقفتُ على رصيف ميناء المدينة، وصخب الأمواج المشاكسة بجانبي يتلاطم داخل رأسي. بدأتُ بالسير إلّا أنّني شعرتُ كأنّني طفل يتعلّم تنسيق خطاه لأول مرّة! أيعقل أنّ قدميّ قد فقدتا الذاكرة؟ رجوتهما ألّا تتوها، فأنا أحتاج إلى تركيزي كلّه؛ لكي أتفرّس الوجوه لعلّي أتعرّف على صديقتي التي سأراها لأول مرّة بعد لحظات! فمنذ أشهر عديدة أوقعنا القدر في شباك الصداقة، تعارفنا صدفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا أدري كيف انسكبت روحانا في كأس الارتياح والانجذاب. طلبتُ منها أن ترسل إليّ صورة لها فأبتْ، سألتُها عن عمرها فألمحتْ، عن عملها، ما أجابتْ! أردتُ أن أرسم في خيالي ملامح بسيطة أستطيع أن أستحضرها في أثناء حديثي معها. رغّبتُها، رجوتُها أن ترسم لي بريشتها سيماء شخصها.. مشيتُ ومشيتُ محاوِلةً قدر استطاعتي تذكّر الرزانة التي عهدتُها في مشيتي، بيد أنّني كنتُ مجبرة على الحملقة في وجوه الإناث اللواتي ألتقي بهنّ، يا إلهي! ما هذه الوقاحة! بالتأكيد سيُقال عنّي أنّني ما عرفتُ الأدب ولا أباه! وقعت عيناي على امرأة تسير وحيدة باتّجاهي، نظرتُ إليها جيدًا اقتربت منّي، نظرت إليّ بضع نظرات، ابتسمتُ لها مع شعور متعاظم بالخجل والارتباك، لكن المفاجأة كانت أنّها بادلتني الابتسام وقالت: عرفتُكِ! مدّت يدها بكلّ عفوية لمصافحتي، لمستُ فيها صدقًا في مشاعر المودّة، ورأيتُ في عينيها لمعة ذلك النجم المتوهّج، صديق القمر! صافحتُها بدون تردّد.. كانت بداية اللقاء مبشّرةً بتبدّد التخوّف الذي راودني من صدمة التلاقي المباشر الأول، وخشية اكتشاف حقل مغناطيسي معاكس، وتنافر كيميائي بيننا. تركنا الرصيف، فاستضافنا البحر، تبادلنا الكتب، طلبت منّي أن أقرأ مقتطفات من روايتها، فغصتُ في لجّة معانيها.. اكتشفتُ عبر أسلوبها في الكتابة أنّها امرأة مرهفة الأحاسيس، وفي الوقت نفسه شرسة الانفعال.. وفي طريق العودة صعقتني فرضيات ردّدها عقلي: ماذا لو جمعتني الصُدفة بامرأة مُخادِعة؟ ماذا لو كانت هذه الصداقة معقودة مع رئيسة عصابة؟ امرأة تحترف فنّ الاستدراج؟! لَكنتُ الآن ضحيّة مغامرة الرصيف! فيا امرأة! يا أنا! أظنّكِ ما تزالين في فنّ الاحتراز طفلةً!