جَنَاحُ الرَّحمَةِ

دلال محمّد العطّار/ لبنان
عدد المشاهدات : 195

قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (الإٍسراء: 32). كيف يستطيع الإنسان أن يصوّر جلالة قدر الأبوين وفضلهما على الأولاد؟ فهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم، وقوام فضلهم ونجاحهم في الحياة، وقد جهد الوالدان ما استطاعا في رعاية أبنائهما مادّيًا ومعنويًا، وتحمّلا في سبيلهم أشدّ المتاعب والمشاقّ، فاضطلعت الأمّ بأعباء الحمل، وعناء الوضع، ومشقّة الإرضاع، وجُهد التربية والمداراة، واضطلع الأب بأعباء العمل، والسعي في توفير وسائل العيش لأبنائه، وتثقيفهم وتأديبهم، وإعدادهم للحياة السعيدة الهانئة. تحمّل الأبوان تلك الجهود الضخمة فرِحيْنِ مغتبطيْنِ، لا يريدان من أولادهما ثناءً ولا أجرًا، فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: " وحقّ ولدكَ أن تعلم أنّه منكَ ومضاف إليكَ في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّكَ مسؤول عمّا وليتَه من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل مَن يعلم أنّه مُثاب على الإحسان إليه مُعاقب على الإساءة إليه"(1). وهذا ما يحتّم على الأبناء النبلاء أن يقدّروا فضل آبائهم وعظيم إحسانهم، فيجازونهم بما يستحقّونه من الوفاء، وجميل التوقير والإجلال، ولطف البرّ والإحسان، وسموّ الرعاية والتكريم، أدبيًا ومادّيًا. وفي دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) لوالديه (عليهما السلام) ورد قوله: "اللهمّ اجعلني أهابهما هيبةَ السلطان العسوف"(2)، يعني أنّ الولد المؤمن ينبغي أن يتخضّع لوالديه، ويخشى غضبهما مثلما يتخضّع الإنسان للسلطان الجائر لخشيته من غضبه، فلذلك ورد أنّه من العقوق النظر إلى الوالدين بحِدّة. فكم من القبيح أن يحدّ المرء النظر في وجه والديه، أو يعبس في وجههما، أو ينظر إليهما شَزَرًا، فلا يصحّ النظر إليهما إلّا برحمةٍ ورأفة، وهو ما أدّبنا به أهل البيت (عليهم السلام). ومن الواضح أنّ نكران الجميل ومكافأة الإحسان بالإساءة، أمران يستنكرهما العقل والشرع، ويستهجنهما الضمير والوجدان، وكلّما عَظُم الجميل والإحسان كان جحودهما أشدّ نُكرًا وأفظع جريرة وإثمًا. وبهذا المقياس ندرك بشاعة عقوق الوالدين وفظاعة جرمه، حتى عُدّ من الكبائر الموجبة دخول النار ولا غرابة، فالعقوق فضلًا عن مخالفته المبادئ الإنسانية وقوانين العقل والشرع، دالّ على موت الضمير، وضعف الإيمان، وتلاشي القِيم الإنسانية في العاقّ. ونختم بحديث عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيث قال: "برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم"(3)، فإنّ الأولاد الذين يُسيئون التصرّف مع آبائهم، سوف يقابلهم أبناؤهم بالمثل، فلا يقيمون لهم وزنًا عندما يكبرون. ............................................... (1) رسالة الحقوق للإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام): ص30. (2) الصحيفة السجّادية: ص ١٢٦. (3) بحار الأنوار: ج ٦٨، ص ٢٧٠.