حُبُّ اللّهِ تَعَالى والرِّضا بقَضائِهِ
عندما يستوطن الحبّ الإلهي القلب وتهيم الروح في سماء القرب، يعيش العبد الرضا والتسليم، ويستقبل كلّ المقادير بروح مطمئنّة وقلب سليم؛ لإدراكه وتيقّنه بأنّها من تدبير الخبير الحكيم، الودود الرحيم، فأفعاله كلّها لغاية وحكمة ، وليس للعبد فيها إلّا المزيد من الخير ورفعة الدرجات. فالمحبّ الحقيقي لله جلّ في علاه لا يريد إلّا ما أراده مولاه، ولا يقول لشيء: لِمَ؟ كيف؟ متى؟ فقلبه مطمئنّ ونفسه راضية وإن كان بلاؤه عسيرًا؛ لأنّه يعلم أنّ ما حدث له فيه كلّ الخير، وعين الحكمة، فالله سبحانه يربّي عباده ويبتليهم ليتكاملوا، ويمتحنهم ليتساموا ويتطهّروا. والوصول إلى هذه الدرجة الرفيعة يحتاج إلى تربية النفس والجهاد المستمرّ، مع تعميق المعرفة بالخالق، فكلّما كان الإيمان أعمق والمعرفة أكبر وأدقّ، كان الرضا أكبر، والتسليم في حياة العبد أوضح وأظهر، وإلى هذا يشير الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عزّ وجلّ"(1). فالعبد المحبّ لمولاه يفرح بمِنَحه وعطاياه، ويرى كلّ ما يرد منه لطفًا وفيضًا يستحقّ عليه الحمد والشكر، فالراضي يعيش في حالة من الهدوء والاطمئنان، والسكينة والأمان، فهو في كلّ أحواله مع ربّه، يستشعر رحمته، ويلتذّ بهباته وابتلاءاته؛ لأنّها منه سبحانه وهو أرحم به. وهو متوّكل على الله ومتفائل طموح في حياته، لا يعرف اليأس طريقًا إلى قلبه، يجتهد في سعيه وإن لم يصل إلى مراده؛ لإيمانه بربّه وحسن ظنّه به. ويتّصف بالشجاعة والثبات والإقدام، على الرغم من وعورة الطريق وكثرة التحدّيات والآلام، فلا ترغيب يطربه، ولا تهديد يرهبه، يمضي في طريقه، ويكمل رسالته؛ لعمق إيمانه بأنّ كلّ شيء في الحياة بيد خالقه وحده، غير نادم على ما فاته؛ لأنّه يرى أنّ كلّ ما أصابه خير له، فتهون عنده المصائب ويستقبل الرزايا بصدر رحب، وبهذا يبرهن على صدق حبّه لربّه الذي استقرّ في قلبه وظهرت آثاره في حياته. وهو شخص سليم من الأمراض الروحية والرذائل الأخلاقية؛ لإيمانه بأنّ لكلّ عبد نصيبًا معلومًا قدّره ربّ كريم، لذا فإن أفلح في حياته أرجع ذلك إلى ربّه، فشعاره: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) (هود:88)، وإن تعثّرت خطواته راجع نفسه ودقّق في حساباته؛ ليرى سبب إخفاقاته، فإن كانت خطّةً غيّرها، أو غفلةً تجنّبها، وإن لم يكن كذلك أرجع أمره إلى مولاه، وسأله توفيقه وهداه، ورجاه أن يختار له ما يسعده في آخرته قبل دنياه. (1) الكافي: ج2، ص60.