رياض الزهراء العدد 182 بادر شبابك
الارتِفَاعُ إِلى الأَسفَلِ
عنوان قد يرسم أداة الاستفهام فوق الرؤوس، وقد يرسم الابتسامة لدى النفوس! هل يا ترى الارتفاع لا يكون إلّا إلى الأعلى؟! في قوانين الفيزياء لا يحصل الارتفاع إلّا إلى الأعلى، أي بعكس الجاذبية الأرضية، فماذا عن النفس وبعض قوانينها المعنوية؟ هل تخضع للمبدأ نفسه أم لا؟ أصبح الإنسان في العصر الحديث يتناسى الأشياء الضرورية لراحته وقناعته تدريجيًا بسبب طابع السرعة، فأضحت بيوت الأغنياء تتنافس على جماليتها وارتفاعها الذي يحجب شمس الحياة عن البيوت المتواضعة الصغيرة في مساحتها، الكبيرة في قناعتها وطمأنينتها وصبرها على قساوة الظروف الحياتية، فإذا كانت "القناعة كنزٌ لا يفنى"(1)، فلماذا بخسنا حقّها واسترخصنا قيمتها؟! لماذا أصبح الكثير لا يقنع بما عنده من نِعم، وينظر للآخرين بحسرة مبتعدًا عمّا قال تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه: ١٣١). يمرّ الإنسان بحالات متفاوتة في حياته، ولكلّ حالة الأسلوب المناسب والسلوك الملائم، فمثلًا لكي تحقّقي أهدافكِ، سيري إلى الأمام وانظري لمَن هو أعلى منكِ مرتبةً علميةً، فهذه النظرة إيجابية ومهمّة في تطوّر البلدان وتقدّمها، هذا في حال الطموح والإرادة، لكن فلننتبه إلى شيء مهمّ جدًا، ففي حالة الحزن والانتكاس لأسباب شتّى، منها فقدان عزيز أو خسارة صفقة، منصب، وغيرها من الابتلاءات، هنا لكي ترتفعي عن دائرة الحزن والهموم، ولكي تفقعي كريات المصائب والمشاكل؛ لتطير معها آلام النفس، سيكون ارتفاعكِ بالانخفاض باتجاه جاذبية الأخوّة، وحبّ الناس ومواساتهم، ومشاركتهم أحزانهم، والتعرّف على ظروفهم الأقسى والأقوى؛ لأنّنا بذلك نعطي ما نمرّ به من المشاكل حجمها الفعلي؛ فالإنسان مثلما قال عنه خالق الأكوان: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ) )المعارج: 19ـ22)، فهؤلاء حينما ينظرون لمَن هم أقلّ منهم من حيث المستوى المادّي والصحّي، ومَن هم أكبر همًّا وأكثر حزنًا، لتجاوزوا المشاكل واستمرّوا في المضي قدمًا نحو النجاح، وعليه فأنّ أكبر وأوسع أنواع الحزن والأسى على مرّ التاريخ الإنساني هو ما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: "إذا أُصبتَ بمصيبة، فاذكر مصابكَ برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإنّ الناس لن يُصابوا بمثله أبدًا"(1). .................................................. (1) روضة الواعظين: ج2، ص 33. (2) مستدرك الوسائل: ج2، ص 335.