دِجْلَةُ وَبَنُوهَا

حوراء أحمد عبد السادة/ بغداد
عدد المشاهدات : 169

الحكاية كلّها كانت خيانة عظمى، وصفقة بيع مفاتيح الحياة، ووأد نفوس تسعى في مناكب الكون، وسلب الأمّهات والآباء قلوبهم وانتزاعها بقسوة؛ لينتهي المطاف بكسر جناح (1700) طائر من طيور العراق، شباب من طيور الجنّة، فعندما طلبوا منهم التخلّي عن كلّ شيء بقولهم: اسمع أيّها العراقي الباسل! عليكَ أن تتخلّى عن سلاحكَ، عن بدلتكَ العسكرية، عن صورة والدتكَ التي في جيبكَ، عن صوت أهلكَ وضحكاتهم، عن ذكرياتكَ مع صحبكَ وأحبابكَ! هل تجرّدتَ من ماضيكَ؟ إذًا هيّا، فدجلة تنتظر دمكَ حتى تصبح أطهر وأنقى من ذي قبل، حتى تغوص بجسدكَ، وروحكَ تطفو على سحاب أبيض هادئ، حتى لا تعود ترعبنا من جديد بحدّة نظراتكَ أيّها العراقي، حتى لا تهتف ضدّ اليهود مرّة أخرى، ولا تخيفنا بـ(لبّيكَ يا حُسين). أنتم الذين لم تتّبعوا آكلة الأكباد، بل اتّبعتم لبوة عليّ (عليه السلام) الثائرة الصارخة في وجه الظلم. عمّ الصمت، لكن أصوات الظلم ما تزال تُسمع، تريد أن تجلجل في أسماعنا التي اعتادت سماع كلام الله (عزّ وجلّ)، وما هي إلّا لحظات حتى تفجّر دم طاهر استقرّ على جدران مرفأ دجلة، وشهد بنوها بأنّهم سمعوا صوت انكسار قلب دجلة وسيلان دموعها وهي تصرخ: رجال صدقوا العهد الذي قطعوه، فكانوا على قسمين: فالأول مَن قضى نحبه في سبيل الله عزّ وجلّ، والثاني ينتظر الشهادة. فسلام على الذين قضوا ومضوا شهداء، وصبرًا للذين ما يزالون ينتظرون ويواصلون.