حِكايَةٌ لم تَكتمِلْ

آيات مالك الخطيب/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 165

بين طيّات الذاكرة ولحظات الواقع يوجد خطّ رفيع، أشبه بحدّ السيف على رقبة ظامٍ يحاول أن يبلّ ريقه من العطش. فبين عيني التي تحدّق في عدسة السلاح مصوّبًا أمامي، يدي المرتكزة على الزناد، قلبي الخافق، ثيابي المتربة التي تتحرّك مع الرياح كأنّها تلوّح للموت بسكينة، وبين خواطري المفعمة بالشوق إلى مقاعد الدراسة، إلى نتائج امتحاناتي النصفية، إلى شغفي الكبير بأن أكون الطالب المتفوّق الذي سيطبّق عمليًا كلّ ما تعلّمه في هذه السنوات مع كلّ رمشة عين أرمشها، أرى قبّعة التخرّج، قبلة أمّي على جبيني بفخر لتخرّجي، رفيقة دربي وحاملة العبء معي: خطيبتي وسيّدة منزلي مستقبلًا إن أتاح لي الموت الفرصة ليبقى لي مستقبل. صوت انفجار مدوٍّ هبّ فجأة، فانطفأ النور في عيني فلا أرى سوى دخان، ظلام دامس، ولا أسمع غير طنين في أذنيّ، أحاول التركيز لألمّ شتات أفكاري التي تارةً أرى فيها صورة أبي وهو يودّعني عند باب الدار، ودلو الماء الذي سكبته أختي بعد خروجي وهي تأمل به عودتي، ودموع والدتي التي خطّت على وجنتيها سلام وداع أخير. ورسالة حبيبتي وشريكة الحياة توصيني فيها: عُد إليّ سالمًا. لا أزال أحاول وأحاول الحفاظ على تركيزي، ألتقط أنفاسي بصعوبة، الشعور بهذه الغشية التي تنتابني، أعتقد أنّ شيئًا ما أصابني! ربّما هي لحظات الموت. لحظات تنسدل فيها يدي، ترتسم الابتسامة المفتخرة بقدوم الشهادة، وعيناي تلتمعان لما قدّمتُه للوطن.. دم يسيل ليمحو كلّ هذه الذكريات والآمال، فيسطّر على رمال الصحراء. هنا سقطت حروف لم تكتبها يداه، وحكاية لم يسمعها الناس. هنا سقط شهيد.