رياض الزهراء العدد 182 منكم وإليكم
الأَنانِيَّةُ فِي العِلاقاتِ الاجِتِماعِيَّةِ
إنّ الأنانيّة لغةً تعني المبالغة في حبّ النفس، والإعجاب بها، والتمتّع بالأشياء من دون إشراك الآخرين، وهي صفة مذمومة في الدين، حيث يؤثر الفرد نفسه بالمنافع الدنيوية والمصالح والأموال، والشخص الأنانيّ غالبًا ما نجده متعصّبًا لآرائه، ولديه رغبة دائمة للسيطرة وامتلاك الأشياء بغير حقّ، وهذا يؤدّي إلى العداء بين الناس بسبب إراحة النفس، والصعود على أكتاف الآخرين . وقد رُوِي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "وأشعرْ قلبكَ الرحمة للرعيّة، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سُبُعًا ضاريًا تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لكَ في الدين، وإمّا نظير لكَ في الخلق"(1)، فقد أكّدت الدراسات والأبحاث المتخصّصة بالعلاقات الإنسانية على مضمون وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّ من أهمّ الوسائل لتطوير العلاقات الاجتماعية هو الشعور بالطرف الآخر عن طريق استشعار ما يريده، وتفهّم احتياجاته، واحترام خصوصيّته، وتجنّب وضع القوانين من زاوية فردية. إنّ من حقّ الإنسان حبّ الخير لنفسه، ودفع الأذى والضرر عنها، وتحقيق التفوّق لها، لكن حبّ الذات من منطلق الأنانيّة يتحوّل إلى حالة مَرَضيّة، عبر الاستحواذ على كلّ شيء، وإلغاء الآخر، وعدم الاعتراف بوجوده بصفته إنسانًا له مقوّماته الاجتماعية، ووضع العراقيل أمامه لئلّا يرتقي إلى مستوى منافسته. وقمّة الشعور بالأنانيّة في العلاقات هو أن يشعر المرء بالعظمة، وبأنّ له الفضل والخير، وغالبًا ما تسيطر عليه صفة الجشع والطمع، ويميل إلى التفرّد بالمكاسب، وبكلّ ما يخدم مصالحه الشخصية، وهذا يشكّل خطرًا على المجتمع. وللأنانيّة أسباب عديدة، تعود أغلبها إلى التربية الخاطئة من قِبل الأهل والمربّين، كالتفرقة بين الأبناء في المعاملة، والقسوة في التربية، والتقليل من الشأن، وتأصيل فكرة الانتقام لدى الإنسان في طفولته، مثلما تؤثر العلاقة بين الوالدين التي يطغى عليها العِداء، وعدم التسامح، فما تغرسينه في الصِغر ستحصدينه في الكِبر. وأشارت الدراسات إلى أهمّ آثار الأنانيّة في العلاقات، وهو نزوع الإنسان إلى الميول الدنيوية والشهوات، والبعد عن الله تعالى، في المقابل يؤكّد اختصاصيّو علم النفس الاجتماعي على أنّ بالإمكان تربية الإنسان على مفاهيم التضحية، والإيثار، والتنازل، والمرونة عبر عدّة أسس، أهمّها الوقاية من مرض الأنانيّة عبر تربية الأبناء تربية حَسَنة، وتوفير القدوة الصالحة، وتنمية روح التعاون مع الآخرين، والتقرّب منهم. ويمكن للفرد علاج نفسه من الأنانيّة عن طريق التقرّب إلى الله تعالى، وأن تكون له وقفة مع ذاته ومحاسبتها بشكل دوريّ، وحثّها على المشاركة في الأعمال التي تخدم مصالح مَن حوله، وتدريب النفس على التخلّي عن حبّ الامتلاك، والاطّلاع على الحقوق الفردية، ومعرفة حقوق الآخرين، وأن يتعلّم المرء التحكّم بميول النفس الأنانيّة؛ كي لا تتعدّى على حقوق الغير، مقتديًا بقول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"(2). .................................... (1) نهج البلاغة: ص53. (2) دراسات في الحديث والمحدّثين: ج1، ص224.