رياض الزهراء العدد 182 الصحّة النفسية
النُّضْجُ الانفِعَالي لَدى الفَردِ
إنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مكرّمًا، لكنّه من أكثر المخلوقات ضعفًا عند ولادته مقارنة بباقي المخلوقات، فهو يحتاج إلى مدّة ليست بالقليلة من الرعاية والتعلّم للاعتماد على النفس في جميع مجالات النموّ، ومثلما أنّ النموّ الجسدي يبدأ من المهد وينتهي باللحد، فكذلك الجانب النفسي للإنسان ينمو يومًا بعد يوم، ولا يتوقّف عند مراحل عمرية معيّنة، والنضج الانفعالي شرط أساسي لحياة مُرضِية، وقد يكون محور التعامل مع الآخرين؛ لارتباطه الوثيق بالعديد من جوانب الشخصية الأخرى، فعندما نسمع بمصطلح (النضج الانفعالي) ترتسم في أذهاننا صورة إنسان يقف بحزم قد تجاوز عمره مراحل الطفولة والمراهقة، ربّما في العشرين أو أكثر، وهو ليس كذلك، فمهوم النضج الانفعالي أشبه بمنصّة يعتليها الإنسان حيث يولي اهتمامًا لتطوير نفسه، فقد نرى سمات النضج الانفعالي في المراهق، أو الراشد، أو المسنّ. ومن السهل التعرّف على النموّ الجسمي للفرد، لكن الأمر يختلف عن النضج الانفعالي الذي يُقصد به وصول الفرد إلى مرحلة الاستقرار النفسي، والقدرة على التحكّم بكافة انفعالاته: الإيجابية، والسلبية، والفطرية، والمكتسبة، وردود أفعاله تكون بصورة تتناسب مع مستوى عمره الزمني، ومع خبراته العملية وتصرّفاته، وطرق تعامله مع المواقف الحياتية العديدة التي يمرّ بها يوميًا، بحيث يكون هناك مواءمة واتفاق بين استجابته الانفعالية والمواقف التي تنتج عنها هذه الاستجابات. هناك عدد من الصفات التي تدلّ على النضج الانفعالي لدى الإنسان، منها: القدرة على التحكّم في الانفعالات، وعدم الاندفاع أو التهوّر، والقدرة على كبح جماح الانفعالات والسيطرة على النزوات، فضلًا عن تناسب الانفعالات مع المثيرات، وعدم الاستشاطة غضبًا لأسباب تافهة، وعدم المبالغة بالخوف، والتخلّي عن أساليب السلوك الطفولية، مثل الأنانية والغيرة وحبّ التملّك، ومن علامات النضج الانفعالي الاعتماد على النفس، والقدرة على تحمّل المسؤولية، والقدرة على تحمّل الأزمات، والإحباط، والفشل، والتميّز بهدوء واتزان انفعالي. ولتحسين النضج الانفعالي عليكِ أن تقومي بالخطوات الآتية: • محاولة التعرّف على ردود أفعال الآخرين على التصرّفات التي تقومين بها، ومدى تقبّل الآراء مثلما هي عليه، وتجنّب الأنانية، وحبّ الذات، والتفكير بنتائج الانفعال، وهل أنتِ على استعداد لتحمّلها أم لا؟ • التحقّق من الانفعالات بدلًا من الحكم المباشر على أفعال الآخرين، وضرورة الانتباه إلى الإيحاءات الجسدية غير المنطوقة عن طريق مراقبة حركات الآخرين، ونبرات أصواتهم وغيرها؛ للتحكّم واحتواء الموضوع وأطرافه من غير وقوع مشكلة، إضافةً إلى تعلّم كيفية التعامل بشكل إيجابي مع الحالات المزاجية المختلفة التي نصادفها في الحياة اليومية، وتدريب النفس على الاسترخاء والهدوء النفسي والبدني عندما تشعرين بأنّكِ في طريقكِ إلى الانفعال النفسي، سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا. وأخيرًا، إنّ تحسين النضج الانفعالي يحتاج إلى ممارسة ووقت وصبر.