أَفضَلُ العِبادَةِ الإِخلاصُ (1)
تحدّث إمامنا الجواد (عليه السلام) عن الإخلاص، وعدَّه أفضل عبادة؛ إذ إنّه أساس لكلّ عمل. وتحلِّي النيّة بالإخلاص هو أحد أسباب قبولها، بل هو أهمّ أسباب القبول، إذ إنّ العمل الخالص يوجب القرب من الله تعالى بدرجات متفاوتة بتفاوت مراتب الإخلاص، وفي مضمون تفسير الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) بشأن العمل الخالص بأنّه العمل الذي لا يُراد منه الحمد من غير الله حين العمل وبعده؛ وهو غاية الدين مثلما قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): "الإخلاص غاية الدين"(2)، وهو روح العبودية لله وجوهرها، فقد قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البيّنة: 5)، فقبول أعمال الإنسان مرهون بالإخلاص، فمَن أخلص في نيّته أخلص في عمله، وهذا يوجب قبول العمل، ثم إنّ مَن كان مُخلِصًا في نواياه كان الله معه في كلّ شيء، وهو مانع لتسلّط الشيطان، فقد جاء في قوله تعالى حكاية عن إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص:82)، فمَن أخلص في نواياه، اصطفاه الله واجتباه لنفسه فيكون من المُخلَصين، لكن تبقى المراتب العليا للإخلاص والاجتباء مختصّة بأهل البيت (عليهم السلام)، فالإمام الجواد (عليه السلام) وآباؤه الطاهرون هم أعبد الناس وأشدّهم خوفًا من الله تعالى، وأخلصهم في طاعته وعبادته، الذين وهبوا أرواحهم لله وعملوا بكلّ ما يقرّبهم إليه زلفى. وبذل الإمام الجواد (عليه السلام) مهجته الطاهرة في سبيل إعلاء كلمة (لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله)، حيث قُتِل مسمومًا على يد زوجته أمّ الفضل ابنة المأمون العبّاسي بأمر من عمّها المعتصم العبّاسي ـ عليهم لعائن الله ـ وهو بعمر صغير جدًا، حيث لم يتجاوز عمره الشريف الخامسة والعشرين عامًا ـ على رواية ـ بسمّ دسّته له في عنب رازقيّ، ووضعته بين يديه، ثمّ تركته ورحلت، وبقي وحيدًا غريبًا يقاسي ألم السمّ والعطش حتى استُشهد، وكان ذلك في الآخر من شهر ذي القعدة الحرام سنة (٢٢٠هـ)، فرحل صابرًا محتسبًا مثل آبائه الطاهرين (عليهم السلام). ............................................ (1) بحار الأنوار: ج٦٧، ص٢٤٥. (2) عيون الحكم والمواعظ: ص١٩.