رياض الزهراء العدد 182 ألم الجراح
نُورُ المِحْرابِ
هذه ليست أول رحلة لي في ثنايا مدينتي، لكن تبدو كأنّها الأولى.. فها أنا أستشعر الخوف نفسه للمرّة الأولى.. وأعيش الترقّب نفسه لأُبصر شعاع أمل.. أكسر به كلّ وسواس يجول في داخلي.. أتجوّل وأبحث في ثنايا تلك الزوايا المنسيّة.. تلك التي ما تزال فيها حكايات الماضي منقوشةً.. انسكبت عليها دموع ترثي الأيام وتتحسّر.. ذكريات لا تزال عالقة في زوايا النبض.. تتأرجح بين الضلوع والأوصال.. حديث شهي يسرق منّي دمعةً ورجفةَ خوفٍ قد سكنت جوارحي.. أعانق هذه الجدران بالدموع.. وأنظر في شوق لأقترب من ساحتها.. فتحاكيني تجاعيدها التي لا تزال راسخة.. فتهزمني اللحظة، وتتركني للانهيار.. فأستدعي صوت مدينتي العصماء من قواريره التي خبّأتُها لزمن الانكسار فأيقظ صوتكِ فيّ مواطن الغفلة، وسلّحني بالصلابة عزمًا وجراءةً.. لأطرح عليكِ سؤالًا يا سامرّاء.. لكن عمّن يا ترى؟ عمّ يتساءل خافقي هذه المرّة؟ سأبدأ سؤالي بلهجة الفضول.. عن حسرة المحراب ووحشة المساجد.. عن جرح لآل البيت لا يداوى ولا يندمل.. سؤالي عن بيت النور المحزون.. فجاء الجواب من ضريحكِ المقدّس، بالفضول ذاته، وبالشوق نفسه.. يخبرني عن تاريخ الأجداد والوعود؛ ليسقي فضول ورود بساتيني.. ليصف لي محرابًا حيث كانت تصلّي فيه فاطمة المعصومة.. تناجي ربّها، وترتّل تراتيل الأحزان.. وقد ذبلت شوقًا للقاء الأخ الحنون، شمس الشموس، عليّ الرضا (سلام الله عليه).. تتيه النظرات بجمال مناجاتها.. فتشعّ أنوار من وجهها يتجمّل بها العاشقون.. وتكتحل رموشها بصور الغوالي التي تمثّلت في محرابها.. سحرها مُهاب يغازل بصمت سواقي العينين.. وتصوغ الأماني التي شنقها الحبّ بحبل الغياب بلهفة المعاني.. ليعلن الأذان: قد آن الأوان ليذرف المحراب دموع الفراق.. فترحل فاطمة المعصومة (عليها السلام) على سفح غيمة في الأفق البعيد.. وتغادر دار الفناء التي صارعت فيها عمرًا إلى دار الخلود والنقاء.. لتبقى ذكراها ذكرى نورانية محمّدية أخرى في طيّات جراح مدينتي سامرّاء..