رياض الزهراء العدد 78 معا نحو الظهور
مُنتَظِرٌ فِي سَاحَةِ الظَّلام
مضى طويلاً على غيابه.. حتى الغروب اقترب.. الشمسُ كادت تلفظُ أنفاسها الأخيرة لتودع النهار.. ثم يخيم الظلام.. وأظلّ ارتجف بين القبور التي سوف أنام في أحدها بعد قليل.. تلك البيوت المظلمة المخيفة التي لطالما تجاهلتُ ما يجري على أهلها إلى أن وصل دوري.. أكادُ أسمع صوتَ المنادي باسمي ليقبض روحي! صوتي المرتجفُ لا يستطيعُ الإجابة من شدةِ الخوفِ.. هنالك شياطين من الجنِّ والإنسِ تحاولُ الإيقاعَ بي.. لا وجودَ لملائكة السماء! وأنا وحيدٌ أتعثرُ في ظلمتي.. لا أجد مَن يهديني.. حتى قلبي ملّ الانتظار وعجز عن الصبر.. ليجهشَ بالبكاءِ.. بكاء صامت غير مسموع.. فلا أكادُ أسمعُ سوى أنفاس الموت المضطربة.. وصوت تزحلق قطرات العرق من جبيني لتحرقَ وجنتي.. وليشتعل جسدي ناراً من الخوف.. الخوف من ذنوبي التي أثقلت كاهلي.. فلم أستطع الفرار كما فعل الآخرون وبقيت وحيداً لا أحمل سوى قبحِ عملي! أدركتُ حينها ثمن الأمان والاطمئنان.. فحينها أنا وذنوبي.. ولا صوت ولا حركه ولا إحساس!! سوى نَفَس الشياطين حولي.. نَفَسٌ خبيثٌ يخدش أُذُنيّ.. بقيتُ وحيداً لفترةٍ لا أحملُ معيَ سوى الانتظار.. وحبيّ الشديد لمنقذي.. انتظرتُ طويلاً إلا أنه لم يأتِ..!! بدأتْ ذاكرتي تُقَلِّبُ ما كُنْتُ أحفَظُهُ من كتابِ اللهِ قبلَ أن أُكَبَّلَ بالذنوبِ.. فتذكرتُ قول الرحمن:(إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَاْ بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَاْ بِأنْفُسِهِم).. وصرتُ أُردّدُ هذه الآية في أعماقي واستجمعُ قواي لأُعلنَ ثورةً ضدّ ذنوبي.. لأُحرّرَ نفسي من قيودي، ولأبحثَ عن النورِ ليجدني.. وأن لا أقِفَ مكتوفَ الأيدي تطوِّقني الشياطين! وأن لا أبقى مهزوماً أمامَ مخاوفي.. منتظَري يريد ثورة.. يريد نصراً.. يريدنا مجاهدينَ في ساحة أنفسنا.. رغم الظلام الشديد ورغم الحواجز التي تحجُبُ عني كلَّ شيء.. لا أحمل معي سوى الانتظار والولاء له.. أيقنتُ حينها أنني لو حرّرتُ نفسي من قيودي لما طال الفراق.. ولما طال الانتظار..