رياض الزهراء العدد 184 أنوار قرآنية
﴿....خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى...﴾(١)
الإنسان العاقل يسعى إلى السعادة والنجاة من دركات الشقاء، والارتقاء في سلّم النجاة في كلّ مرحلة من مراحل حياته، وعليه أن يدرك أنّه ضيف في الدنيا، فلا بدّ من التزوّد بالوقود في سفره للوصول إلى الجنّة، وهذا الوقود هو التقوى، وهو ميزان التفاضل بين الناس، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات:١٣)، وقد ورد في معنى التقوى: (التقوى من الوقاية، وهي في اللغة فرط الصيانة، وفي العرف صيانة النفس عمّا يضرّها في الآخرة، وقصرها على ما ينفعها فيها(٢). فهي تنجي الإنسان من السقوط في مستنقع الرذائل، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ التقوى أفضل كنز، وأحرز حرز، وأعزّ عزّ، فيه نجاة كلّ هارب، ودرك كلّ طالب، وظفر كلّ غالب"(٣). فميزان الله سبحانه وتعالى ليس الحسب ولا النسب، فعن عقبة بن بشير الأسدي قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): أنا عقبة بن بشير الأسديّ، وأنا في الحسب الضخم من قومي، قال: فقال: "ما تمنّ علينا بحسبكَ؟ إنّ الله رفع بالإيمان مَن كان الناس يسمّونه وضيعًا إذا كان مؤمنًا، ووضع بالكفر مَن كان الناس يسمّونه شريفًا إذا كان كافرًا، فليس لأحد فضل على أحد إلّا بالتقوى"(٤). وسُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن تفسير التقوى، فقال: "أن لا يفقدكَ الله حيث أمركَ، ولا يراكَ حيث نهاكَ"(٥). وجاء في وصيّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأبي ذرّ: "أوصيكَ بتقوى الله، فإنّه رأس الأمر كلّه"(٦). والتقوى تجعل الإنسان ذا فرقان، يعرف به الحقّ والباطل فيميّز بينهما، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ (الأنفال:٢٩)، والتقوى تؤهّل المرء ليميّز الخير من الشرّ، والصحيح من الخطأ، والصديق من العدوّ، فهي تعطي الرؤية السليمة، فمَن يريد أن يذوق حلاوة الحياة، ويصل إلى شاطئ النجاة، فليتّخذ من التقوى جلبابًا له. ............................ (١) البقرة: ١٩٧. (٢) أسباب الذنوب: ص٧. (٣) ميزان الحكمة: ج ٤، ص ٣٦٢٤. (٤) اُصول الكافي: ج ٢، ص ٣٢٨. (٥) بحار الأنوار: ج ٦٧، ص ٢٨٥. (٦) المصدر السابق: ج ٧٤، ص ٧٢.