رياض الزهراء العدد 184 تنمية البشرية
لَحَظاتٌ مِنَ التَّفَكُّرِ
إنّ عملية التفكّر ومحاسبة النفس من أهمّ عوامل الإصلاح، والخطوات الرصينة نحو التربية الحقيقية للإنسان، فالتفكّر عبادة روحية فكرية تدعو الفرد إلى الإبحار في كلّ الجزئيات مهما صغُرت في أعين البعض، انطلاقًا من النفس البشرية بكلّ ما تحتويه، ووصولًا إلى كلّ متاح ممّا نعلمه حولنا من قصص الأقوام الماضية؛ لنقف عند الدروس والعِبر مثلما قال سبحانه وتعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الأعراف: ١٧٦)، ومن أجل أن نصل إلى الهدف من التفكّر، كان لزامًا علينا أن نتخلّص من الغفلة، مثلما قال إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام): "الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا"(٢)، فالموت هو إيقاظ من الغفلة، وهنا رسالة مفادّها أنّه يجب أن تُميت النفس ملذّات الدنيا؛ حتى يكون الانتباه من الغفلة، وهذه اليقظة ستكون بمثابة البوصلة التي تعمل على تصحيح المسار، وهي دعوة تحفيزية تخاطب مشاعر الإنسان لتدفعه إلى العمل بما تتضمّنه الكلمات من معانٍ توجب العمل بها، والإبحار في خضمّ النِعم اللامتناهية، وتلمّس السبيل إلى الفلاح في وسط ظلمات الجهل والانحراف عن جادّة الصواب. هناك مَن سيقول: وكيف لنا أن نتفكّر ونحن نعاني من كثرة المشاغل، والمشاكل، وتزاحم الأفكار السوداوية التي تعيق كلّ شيء في حياتنا؟ فمن أبسط الإجابات عن هذا التساؤل هو ضرورة عدم جعل التفكّر عبئًا جديدًا علينا، بل جعله مساحة للراحة والهدوء، واسترجاع النشاط؛ للانطلاق بقوّة إلى الأمام، وكلّما وضعنا شروطًا للتفكّر، كلّما بدأنا بتضييق الخناق على أنفسنا؛ لذلك حاولي أن تركّزي على مشاعر الحبّ والامتنان، والتأمّل والتفكّر في نِعم الله سبحانه وتعالى في أدقّ تفاصيل الطبيعة في أثناء طريق الذهاب إلى العمل مثلًا، وحاولي أن تبتسمي لنفسكِ بما منحكِ الله إياه من أنفاس تسبّحين الله بها وتحمدينه، خذي شهيقًا واجذبي معه كلّ جمال الدنيا والمواقف السعيدة، وأخرجي الزفير وأبعدي معه كلّ مشاعر الكراهية، وما تحملينه من أفكار سلبية، وتذكّري دومًا بأنّ التفكّر عبادة. ........................................ (١) ميزان الحكمة: ج٨، ص١٣١. (٢) بحار الأنوار: ج٤، ص٤٣.