"...فيَكونَ مُحاسِبَ نَفْسِهِ..."

منى إبراهيم الشيخ/ البحرين
عدد المشاهدات : 181

من الأمور المهمّة التي ركّزت عليها روايات أهل بيت العصمة (عليهم السلام) وهو ما تمّ التطرّق إليه سابقًا، محاسبة النفس، ومثلما أكّدت رواياتهم (عليهم السلام) على أصل موضوع محاسبة النفس، كذلك أشارت إلى نقاط مهمّة تتعلّق بعملية المحاسبة. ومن تلك الروايات ما أوصى به الإمام الصادق (عليه السلام) أحد أصحابه وهو (عبد الله بن جندب)، حيث قال: "...يا بن جندب، حقٌّ على كلِّ مُسلمٍ يَعرِفُنا أن يَعرِضَ عَمَلَهُ في كُلِّ يَومٍ ولَيلةٍ على نَفسِهِ، فيَكونَ مُحاسِبَ نَفْسِهِ، فإن رأى حَسَنةً استَزادَ مِنها، وإن رأى سَيّئةً استَغفَر مِنها، لِئلّا يَخزى يَومَ القِيامَةِ..."(١)، فالرواية سلّطت الضوء على عدّة نقاط: ١ ـ الزمان والمدّة التي يجب أن تغطّيها عملية محاسبة النفس: (في كُلِّ يَومٍ ولَيلةٍ)، أي تكون سلوكًا يوميًا، فلا يكفي أن تكون أسبوعية، أو شهرية، أو سنوية، ففي كلّ يوم محاسبة وعرض أعمال اليوم لفرز الصالح والسيّئ منها وتصنيفه. ٢ ـ أن يكون الإنسان حسيبًا على أعماله، كأن يكون مثلًا شخصيتين: الأولى مُحاسِب، والثانية مُحاسَب، والمحاسبة ينبغي أن تكون منصفة، فلا يخادع الإنسان نفسه بأن يعدّ سيّئاته حسنات، ومن جهة أخرى لا يظلمها ويبخسها حقّها. ٣ ـ فائدة المحاسبة: • "فإن رأى حَسَنةً استَزادَ مِنها" فإن عمل عملًا صالحًا، طلب من الله التوفيق والتسديد، وشكر الله على ذلك واستزاد من الأعمال الصالحة. • "وإن رأى سَيّئةً استَغفَر مِنها" هناك سيّئات بين العبد وربّه، فيطلب من الله التوبة، وهناك سيّئات بين العبد والناس لا يُمكن تجاوزها؛ لأنّه قد أضاع حقًّا لأخيه، وأكل مال آخر وغشّه، وشتم، وضرب، وأهان، واستغاب، واتّهم، و... فعليه التخلّص من تبعات ما عليه بالاعتذار إليهم، وطلب الصفح منهم ليغفر الله له. ٤ ـ الهدف والغاية الكبرى من المحاسبة: "لِئلّا يَخْزى يَومَ القِيامَةِ" على رؤوس الأشهاد. والمحاسبة تحول دون الوقوع في الخزي بصفتها وقايةً وعلاجًا؛ فهي وقاية، إذ تخلق في المرء الحذر والخوف من الوقوع في المعصية قبل أن يقتحمها، وهي علاج، فإذا وقع في المعصية تُخبره المحاسبة بما فعل من المعاصي، ومن ثم يبادر إلى الندم والاستغفار وتدارك ما فات بإصلاح ما أفسده، فعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مَن حاسَبَ نفسَهُ وقَفَ على عُيوبِهِ، وأحاطَ بذُنوبِهِ، واستَقالَ الذنوبَ، وأصلَحَ العُيوبَ"(٢). ............................... (١) ميزان الحكمة: ج٣، ص٨٢. (٢) المصدر السابق نفسه.