اللهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَه

زهراء علي حسن/ جامعة كربلاء
عدد المشاهدات : 182

شهد بيت النبوّة في العاشر من شهر رجب سنة 195 للهجرة ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) إذ جاء في الروايات عن حكيمة بنت موسى بن جعفر (عليهما السلام) قالت: لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر (عليه السلام) دعاني الرضا (عليه السلام) فقال لي: "يا حكيمة احضري ولادتها" وأدخلني وإياها والقابلة بيتاً ووضع لنا مصباحاً، وأغلق الباب علينا، فلما أخذها الطلق طُفِئَ المصباح وبين يديها طست، فاغتممت بطفئ المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست، وإذا عليه شيءٌ رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت، فأبصرناه، فأخذته، فوضعته في حجري، ونزعت عنه ذلك الغشاء. فجاء الرضا (عليه السلام) ففتح الباب، وقد فرغنا من أمره، فأخذه، فوضعه في المهد، وقال لي: "يا حكيمة الزمي مهده" قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره، ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" فقمتُ ذعرةً فزعةً، فأتيتُ أبا الحسن (عليه السلام) فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجباً. فقال: "وما ذاك؟" فأخبرته الخبر. فقال: "يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر".(1) بدأت إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) سنة 203 هـ، بعد شهادة أبيه الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان له من العمر ثمانية أعوام، وتسنُّمُ الإمام الجواد (عليه السلام) لمنصبٍ خطير كمنصب الإمامة الإلهيّة يستدعي قيادةَ جماهير الأمّة على الصُّعد المختلفة، بحيث يُذعن لحكمته ودرايته القريبُ والبعيد، والعدوّ والصديق، كلّ ذلك يتطلّب التصدّي لتحديّات كبيرة واسعة، وخاصّة في وسطٍ يحكم فيه بنو العبّاس، ولذا حاول المأمون أن يُجرّب مع الإمام الجواد (عليه السلام) السياسة نفسَها التي انتهجها مِن قَبلُ مع أبيه الإمام الرضا (عليه السلام) خصوصاً وأنه رأى إماماً في مُقتبَل العُمر قد تُفلح معه سياسة الاحتواء فاستخدم سياسة الدهاء والمكر وتظاهر بتقريب الإمام (عليه السلام) لإضفاء الشرعية على حكمه، فقام بتزويجه ابنته لكي يكون رقيباً عليه، ويحدَّ من نشاطاته (عليه السلام) ويقللَّ ارتباطه بشيعته، وقد واجه الإمام الجواد (عليه السلام) هذه الظروفَ بمتانة وحكمة، فقد انصرف إلى مدينة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد زواجه بأمّ الفضل، ولم يُقمِ في بغداد، فأحبط بذلك مكرَ المأمون وفوَّتَ عليه تدبيره في محاولة احتوائه وفَصْلِه عن شيعته. ونلاحظ من جانب آخر أنّ الإمام الجواد (عليه السلام) قد سعى في حفظ ارتباطه بشيعته وتقويته عن طريق نصب الوكلاء وإرسال الموفَدين، ونشر علوم أهل البيت، وكان له الدور الكبير في التصدّي للتيارات الفكريّة المنحرفة في ذلك الوقت. ........................... (1) موسوعة الإمام الجواد (عليه السلام): ج1، ص20ـ 21.