التَّراحُمُ وَالمَوَدَّةُ فِي عَاشُورَاءَ

بنين قاسم محمّد/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 244

الأجواء الروحانية التي تبدأ في مطلع شهر محرّم الحرام حتى نهاية شهر صفر، هي جزء كبير من أداء الرسالة التي خلقنا الله تعالى من أجلها. هناك ترابط يحدث بشكل تلقائي من دون التخطيط له، يدعو الناس إلى التراحم والمودّة بلا اختيار، فنجد الجميع يهمّ بالمساعدة والعطاء، فالمشاعر والمسؤوليات التي تتولّد في عاشوراء، تقوم بترسيخ تعاليم الدين في النفوس أكثر. هذا الشهر لا يمرّ بدون أن يزكّي نفوسنا ويطهّرها، ويزيد من حصيلتنا من حبّ الحسين (عليه السلام)، وآل البيت (عليهم السلام)، فالرحمة التي نشهدها ونعيشها في عاشوراء مأخوذة من أبي الفضل (عليه السلام) حين أبى أن يشرب الماء قبل أخيه وأطفاله، فالتراحم والمودّة تأسر روح المؤمن لتقديم أفضل ما لديه في عاشوراء، كأنّه في سباق: مَن يعطي أكثر، وهذا ما نراه في المؤمنين على ساحة كربلاء وهم يؤدّون شعائر الله تعالى من دون كلل أو ملل، وينادون الزائرين بـ(تفضّل يزاير) لتقديم أفضل الخدمات التي يحتاجها الزائر، كأنّه في بيته، فما يقوم به المؤمنون اليوم لا يقتصر على التراحم والمودّة فقط، إنّما يتعدّى ذلك إلى منح كلّ زائر شعورًا بالأمان والاطمئنان لممارسة طقوسه في إحياء الذكرى الحسينية، وجعله يعيش حزنه من أجل هذه القضيّة التي لا تموت، ولن تموت، وستبقى على الرغم من جرحنا الكبير الذي خلّده شهادة الحسين (عليه السلام)، وأسر السيّدة زينب (عليها السلام)، وشهادة أهل البيت(عليهم السلام) جميعًا. هذه القضيّة التي يتمّ الاهتمام بها عفويًا لترسيخ تعاليم الدين كالعفو، والإصلاح، والأدب وغير ذلك، فيكون جميع المعزّين من الزائرين وأصحاب المواكب الحسينية يعملون في ضمن نهج واحد، ألا وهو تربية النفس، وكأنّهم في مجالس التعليم والتربية، فتتجسّد كلّ أخلاقياتهم في التآلف مع بعضهم، فنجده شهرًا تحفّز أجواؤه الروحانية على الرحمة في التعامل، والمودّة في الرعاية المطلقة للزائر ونشعره بالروحانية في الكلمات الحانية التي يطلقها الجميع للتخفيف من وطأة الحزن، والانهماك، فهذا الإمام المضحّي من حقّه علينا إحياء ذكراه عبر ترسيخ كلمة الحقّ. ونكمل بما قاله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بحقّ الإمام الحسين (عليه السلام): "حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسينًا"(١) وهذا ما يجعل كلّ مؤمن يخرج للمسيرة والمشاركة في إثراء قضيّتنا التي توارثناها، فنجد العالم الإسلامي أجمعه يسطّر بطولاته في الشجاعة والرحمة والمودّة والإيمان في نشر قضيّة عاشوراء وإيصالها إلى كلّ الشعوب. ......................................... (١) بحار الأنوار: ج ٤٣، ص ٢٧١. مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) العدد ١٨٤ محرّم الحرام ١٤٤٤هـ- آب ٢٠٢٢م