رياض الزهراء العدد 184 ملف عاشوراء
الشَّاهِدُ الأَكبَرُ
لواقعة الطفّ أثر عميق في قلوب المؤمنين، بل تعدّى الأمر ليكون أثرها واضحًا في نفوس العالم أجمعه لما تجلّى في أحداثها من مواقف للبطولة، والتضحية، والتفاني في سبيل نصرة المظلوم، ومواجهة الظالم، وعلى الرغم من أنّ كتب التاريخ تتحدّث عن الكثير من الظلم الذي تعرّض له أهل البيت(عليهم السلام)، إلّا أنّ مصاب عاشوراء أكبر مصيبة حدثت في العالم. انطوت واقعة الطفّ على حزمة من المآسي والآلام والفجائع في كلّ تفاصيلها، وأبلغها في المظلومية هي جريمة قتل طفل يبلغ من العمر ستة أشهر وهو في حضن أبيه؛ لتكون مدخلًا إلى دين الحقّ، واهتداءً إلى الصراط المستقيم، وبدايةً لحمل راية المظلومين، وبناء أنموذج التقوى بأسس الولاية لأهل البيت (عليهم السلام). على الرغم من صغر عمره إلّا أنّه كان الشاهد الكبير لمدى كره الإسلام، ومفاهيم الحقّ والعدالة، ليثبت للعالم مدى الانحراف الذي أصاب الأمة، ومدى الحقد والفساد الذي انغمسوا فيه، فقتلهم الأطفال من دون وازع من دين، ومن دون استحواذ الفطرة، لهو خير دليل على أنّ الفساد قد حلّ بعقولهم وتمكّن من نفوسهم، فأظهروا مدى حقدهم على أهل البيت (عليهم السلام) حتى على صغارهم. كانت شهادة عبد الله الرضيع معلومة عند الإمام الحسين (عليه السلام)، فهو يعلم بنهاية أهل بيته وأصحابه، وقد كانت مسيرته بتخطيط إلهي، فقبل أن يخرج إلى العراق بثلاث ليالٍ، تمّ إعلامه بضعف الناس في الكوفة، فأومأ بيده نحو السماء، ففُتِحت أبوابها، ونزل من الملائكة عدد لا يحصيهم إلّا الله، وقال: "لو لا تقارب الأشياء، وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم علمًا أنّ هناك مصرعي ومصارع أصحابي.."(١). ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) عند مقتل عبد الله الرضيع أخذ دمه بكفّه الشريفة، ورمى به إلى السماء، فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض(٢)؛ لتكون شهادته في أعلى عليّين، ويُخفّف عن أهل الأرض. هناك حقيقة يدركها الجميع، وهي عظمة أهل البيت (عليهم السلام) ومكانتهم عند الله تعالى، لذلك أصبح عبد الله الرضيع بابًا للحوائج، ومحطًّا للكرامات، وأشارت الكثير من الروايات إلى كراماته، فهو وإن كان صغيرًا من جهة العمر، إلّا أنّه كبير وعالي المرتبة بين أصحاب الإمام الحسين (عليهم السلام). الحسين (عليه السلام): ص ٢٨٩. ........................... (1) مدينة المعاجز: ج ٣، ص ٤٥٠. (2) العوالم، الإمام