عَاشُوراءُ عِندَ قَمَرِ الهَوَاشِم

دلال كمال العكيليّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 357

مِن تلك البقعة المباركة، كربلاء الحبّ والسلام والأمان تنطلق مراسيم الحزن والبكاء على ثلّة ضحّت بالغالي والنفيس لإحياء دين الله... مِن تلك البقعة المباركة، تنطلق جموع المعزّين منادية (هيهات منّا الذلّة)... مِن تلك البقعة المباركة، تتوجّه الحجّاج بعزاء صاحب الأمر والزمان(عليه السلام). وقفات ووقفات لا تعّد ولا تُحصى، وصور ترسخ في الذاكرة من عام إلى آخر، وبصوت شجي ينادي المحبّون (يا حسين) إنّ القلوب لحرّى، والعيون تبكيكَ ليلًا ونهارًا. يبدأ الشهر في العتبات المقدّسة بمراسيم خاصّة تُقام إشعارًا بأذونِ شهر العزاء، وتشهد العتبة العبّاسية المقدّسة طوال الشهر إقامة مجالس العزاء للرجال والنساء وفي جميع مؤسّساتها الثقافية والدينية والتربوية والخدمية، فلكلّ نصيب من ذلك التشريف والتكريم في إحياء ذكرى المولى أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وتشهد العتبة استنفارًا خاصًّا على جميع الصعُد من الصحن الشريف امتدادًا إلى جميع مفاصلها في كربلاء والمحافظات، إذ تُعدّ برامج عاشورائية تتناسب وعمل كلّ من المؤسّسات التي تحيي الذكر، فالقلم يكتب، والإذاعة تبثّ، والشبكات العنكبوتية تنقل، وخدّام المنبر يُلقون محاضراتهم على مسامع الزائرين، والمراكز الثقافية تقدّم البرامج التوعوية الخاصّة بعاشوراء، والتربية والتعليم تبثّ للناشئة المبادئ والتعاليم الحسينية الحقّة، وفي جولة لرياض الزهراء (عليها السلام) بين مؤسّسات العتبة المقدّسة شاركتنا كلماتها ومنهاجها العاشورائي: مركز الثقافة الأسرية السيّدة سارة الحفّار/ مسؤولة المركز: تستمدّ الثقافة الأسرية معرفتها وقانون تكوينها من تعاليم الدين الإسلامي ومن سنّة نبيّه وهدى الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ودورنا التربوي تجاه نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هو ضرورة تعريف الأسرة بكيفية حمل مسؤولية تربية الأبناء، فهم يحتاجون إلى أن يتعلّموا الحسين (عليه السلام) مثلما يتعلّمون القرآن، ومثلما يتعلّمون أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وروايات أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)؛ لأنّ للإسلام مستويين: مستوى فكريّ، ومستوى عمليّ، المستوى الفكريّ للإسلام يتجسّد في فهم القرآن والسنّة، والمستوى العملي للإسلام يتجسّد في حركة الحسين (عليه السلام)، فقد جسّد الإسلام تجسيدًا عمليًا، وطبّقه على الأرض تطبيقًا عمليًا، فلابد من أن نربّي أجيالنا على مُثُل الحسين (عليه السلام)، وصبره، وتضحيته، وعطائه، ليفهموا الإسلام فهمًا عمليًّا تطبيقيًّا. وقد يسأل سائل: كيف نربّي أبناءنا فكريًّا وعمليًّا لفهم قضيّة الإمام الحسين (عليه السلام)؟ وما معنى التضحية؟ والإمام (عليه السلام) ضحّى بنفسه، فما هو حجم التضحية الواقعة على عاتقنا ومن أيّ نوع، ولأجل مَن نضحّي؟ إن استطعنا الإجابة عن هذه الأسئلة، فبذلك نربّي أنفسنا تربية يرضى عليها الإمام الحسين (عليه السلام). فالحسين (عليه السلام) أعطى، فهل نحن أعطيناه؟ الحسين قدّم جهده، ووقته، ونفسه، وأولاده، وأمواله، فماذا قدّمنا نحن للمبادئ والقيم؟ مشاركتنا في مآتم الحسين (عليه السلام) مطلوبة، لكن المطلوب منّا أكثر، أن نعطي مثلما أعطى الحسين (عليه السلام)، وأن نبذل مثلما بذل، كلّ منّا ليبذل في طريق الحسين (عليه السلام)، هناك من يبذل الطعام، ومن يبذل الوقت، ومَن يبذل الجهد، هناك مَن يبذل الأموال للأيتام والفقراء، فإنّ بذل الأموال للأيتام والفقراء بذل في طريق الحسين (عليه السلام) ودربه، لأنّ دربه يحتضن كلّ ذلك، وكلّ هذه الصور والألوان، على الأسرة أن تعي أهداف الحسين (عليه السلام)، وأن تبادر إلى البذل والعطاء من الوقت والمال في كلّ مشروع ديني، ثقافي، خيري، اجتماعي، فإنّ كلّ ذلك يصبّ في أهداف الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، فضلًا عن بذل الوقت والجهد لتربية جيل صالح قادر على مواجهة الحياة، متمسّك بتعاليم دينه وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله). علينا أن نتعلّم ونعلّم أجيالنا ثقافة الانتظار، فكلّنا نعلم أنّ حركة الإمام المهديّ (عليه السلام) هي امتداد لحركة الحسين (عليه السلام)، ونحن كلّنا نسمع أنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) يرفع راية في يوم عاشوراء في كربلاء مكتوب عليها (يا لثارات الحسين (عليه السلام)). ثارات الحسين (عليه السلام) هي تحقيق أهداف الحسين (عليه السلام) ومبادئه، ففي زيارته (عليه السلام) نقرأ: (السلام عليكَ يا ثار الله وابن ثأره)، ثأر الله يعني تحقيق أهداف الله على الأرض، فليس ثأر الحسين ثأرًا انتقاميًا، أو ثأرًا عشائريًا، أو ثأرًا دمويًا أبدًا، فثأر الحسين (عليه السلام) هو عبارة عن النداء الذي يطلقه الإمام القائم (عليه السلام)، نداء السماء، تطبيق أهداف السماء، تطبيق حركة السماء، تطبيق الدين المحمّديّ على الأرض، هذه هي ثارات الحسين (عليه السلام). وانطلاقًا من عاشوراء دعونا نفكّر في حال أمتنا، فهل ثمّة قاسم مشترك بين واقعنا وبين تلك المرحلة التي ثار فيها الحسين (عليه السلام)؟ فمن أبرز الأمراض التي تفتك بالأمم وأخطرها هو مرض فقد الثقة بالنفس، إذ تعيش الشخصية الإنسانية الاهتزاز وعدم التوازن، والثقة بالنفس هي الحصن المنيع لسلامة الفرد وحماية الأمة، ومثلما أنّ جسد المرء إذا فقد مناعته يصبح عرضة لهجوم الفيروسات الانتهازية الكامنة، وغزو الجراثيم السامّة، فكذلك هو حال الأمة إذا فقدت ثقتها بنفسها، فإنّها ستفقد مناعتها وحصنها الحصين، وتصبح عرضة للغزو الثقافـيّ، أو غزو العقول والإرادات. عاشوراء مدرسة متكاملة لتربية الأمم، لكنّها تحتاج إلى قراءة صحيحة واعية من الممكن تطبيقها على أرض الواقع، وهذا ما يسعى إليه مركزنا، مركز الثقافة الأسرية لتثقيف الأسرة المسلمة عبر اللقاءات المستمرّة مع النساء الزينبيّات من أجل تثقيفهنّ بثقافة مولاتنا الزهراء وابنتها زينب (عليهما السلام). مجموعة العميد التعليمية الأستاذ وسيم عبد الواحد النافعي/ مسؤول الملفّ التربوي في قسم التربية والتعليم العالي: عاشوراء مدرسة الماضي والحاضر والمستقبل، هي تلك النهضة التي أحيت الرسالة المحمّدية الحقّة، وقد دأبت العتبة العباسية المقدّسة على ترسيخ القيم التي حملتها تلك النهضة العظيمة، إذ عدّت عاشوراء بمنزلة موسم تربية النفوس واستذكار تلك الرزية يرتكز العمل التربوي في قسم التربية والتعليم العالي على مراقبة ثلاث ركائز في ذات المتعلّم، وهي (القدرات، والمهارات، والسلوك)، لتعمل على تعديلها، وتنميتها، وتطويرها، بما يحقّق في المحصلة مخرجات بشرية صحيحة النفس، ومعتدلة السلوك، ومستوعبة للواقع، وقادرة على استثمار ما تعلمته من معارف في إدارة أمور الحياة، ومؤثرة في محيطها بما يؤهلها لأن تكون فاعلة في بيئتها لا منفعلة بها. وقد صُمّمت لتحقيق هذه الاستراتيجية مجموعة من البرامج التربوية الإثرائية ذات الأهداف المرحلية الثلاث (القريبة، والمتوسطة، والبعيدة)، وما برنامج التقويم التربوي الإجرائي إلّا واحد من هذه البرامج، فهو برنامج تنظيمي للمناسبات الدينية، بتقويم تربوي محدّد بجدول زمني معلوم، يعمل على استمرار الارتباط البشري بقضية أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولتعريف أجيال المجتمع بالقدوات الصالحة، ولتقديم سيرة النبي (صلّى الله عليه وآله)، والطاهرين من أهل بيته (عليهم السلام)، نماذج للتأسّي والاقتداء، وتوثيق التواصل بين أبنائنا وتاريخهم الإسلامي. إجراءات إحياء ذكرى عاشوراء في مجموعة العميد التعليمية: ١- تشكيل لجنة في كلّ مدرسة تتكوّن من مجموعة من المعلّمين والمعلّمات؛ ترعى تنفيذ إحياء ذكرى عاشوراء ومتابعته. ٢- تصميم نشرات (فلكسات) خاصّة بذكرى عاشوراء، الإلكترونية منها تُنشر على صفحات المجموعة والمدارس والرياض، والمطبوعة تعلّق في أروقة القسم والمؤسّسات التابعة له. ٣- نشر مظاهر الحزن والحداد في مدارس مجموعة العميد التعليمية ورياضها. ٤- إرسال إشعارات تتضمّن التعازي، وعبارات التأسّي بذكرى عاشوراء إلى أولياء الأمور عن طريق برنامج المرقاب الآلي. ٥- إعداد كلمات مركزية تخصّ ذكرى استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)، تُلقى في الوقفات الصباحية. ٦- إقامة نشاطات وفعّاليّات تأبينية في رياض المجموعة ومدارسها، تقدّم فيها القصائد والموشّحات والعروض المسرحية، تلخّص المصائب التي وقعت على أهل بيت الرسول (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام) واستلهام العِبر من تلك الدروس. ٧- حثّ المتعلّمين على المشاركة في المواكب والهيئات الحسينية التي تقدّم خدمة للزائرين. التوجيه الديني مسؤولة شعبة التوجيه الدينيّ النسويّ السيّدة منى كريم: إنّ المجالس الحسينية من أبرز الشعائر في عاشوراء، ولا يخلو مكان منها، لا سيّما ونحن في مرقد المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام). وتنطلق منذ اليوم الأول من محرّم الحرام وتستمرّ لمدّة (١٥) يومًا، وقد تُقام هذه المجالس على مدار العام خلال المناسبات الدينية، أو كلّما دعت الضرورة إلى إقامتها؛ لأنّها تحتوي على الكثير من الفوائد النفسية، والثقافية والاجتماعية، والقيمية، والإنسانية المفقودة، أو النادرة الوجود في غيرها من المجالس، أو الاجتماعات، أو التجمّعات البشرية الأخرى، وكان دأبنا استثمار المجالس في تثقيف النساء عن طريق المحاضرات المتنوّعة، أخلاقية كانت أو عقائدية، فضلًا عن الرثاء الذي يكون مستمرًّا طوال أيام المصيبة، لذا وجب علينا الاهتمام كثيرًا بهذه المجالس الحسينية وطريقتها في إيصال الكلمة الصادقة والمؤثرة إلى المتلقيات، وُيقدّر عدد المشاركات هذه الأيام بـ(٤٠٠٠) معزّية من الزائرات، أو من محافظة كربلاء المقدّسة اللاتي يحضرنَ إلى العزاء باستمرار. وتُعدّ ثقافة عاشوراء والنهضة الحسينية مسؤولية الجميع، ولذا كان النفير العام في جميع مفاصل العتبة العبّاسية المقدّسة، فلكلّ نصيب من ذلك التكريم، فنجد المراكز النسوية تتسابق في طرح المفاهيم والقيم الحسينية عن طريق البرامج الإذاعية في صوت المرأة المسلمة من إذاعة الكفيل، ويصدح الصوت من شعبة الخطابة الحسينية النسوية بالمحاضرات، والمجالس، والمشاهد المسرحية التي تنقل لنا ظلامة المولى أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) كلّ على قدره، فالمهمّ أن تبقى القضيّة الحسينية حيّة وفاعلة، ولا يكون ذلك إلّا عن طريق المجالس والمنابر والسعي لنشر ثقافة عاشوراء والنهضة الحسينية، مضافًا إلى التبليغ الديني؛ لأنّ كربلاء تأريخ أمة، وشهادة الإمام الحسين (عليه السلام) يجب أن تبقى حيّة فاعلة، وبقاؤها واستمرارها يكون بالمجالس والشعائر.