عَاشُوراءُ في لُبنانَ

دلال محمد العطار/ لبنان
عدد المشاهدات : 247

ها هو شهر محرّم الحرام، شهر الكرب والبلاء، شهر الحداد والأحزان، يطلّ علينا في كلّ عام، ليجدّد الآلام، وتُعتصر القلوب، والدموع لا تفارق الوجنات، السلام على الحسين، وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أنصار الحسين. عاشوراء هي ذكرى حزينة وأليمة، تفصح عن الظلم والاضطهاد الذي تعرّض له حفيد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ففي هذا اليوم قُتِل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته بعد محاصرتهم من قِبل جيش يزيد بن معاوية، ومُنع عنهم الماء، وقُطّعت الرؤوسِ، وسُبيِت النساء. هنا "الضاحية" في قلب الضاحية الجنوبية تُرفَع الرايات الدينية، واللافتات المكتوب عليها نصوص من وحي عاشوراء، وواقعة كربلاء، هذه الذكرى يحييها أهالي الضاحية الجنوبية في الأيام العشرة الأولى من شهر محرّم، حيث يُقبل الناس على شراء مستلزمات العزاء، من الألبسة والأقمشة السوداء، والرايات والأعلام واللافتات السوداء، حتى بات السواد ينتشر في المدينة، ويسيطر على كلّ جامد ومتحرّك، وكذلك الأعمدة، وشرفات المنازل، وواجهات المحلّات، ومداخل المؤسّسات والأبنية السكنية، وجدران المساجد والحسينيات، والأناشيد الخاصّة بالمناسبة السنوية تُبثّ على مدى ساعات النهار والليل من مكبّرات الصوت، تزاحمها أصوات البكاء والنحيب التي ترتفع من خيم العزاء المنصوبة في الشوارع والأحياء، مثلما تُفتح البيوت لكلّ الناس، وتُقام الولائم على حبّ الإمام الحسين (عليه السلام)، وخلال هذه المدّة، تُوزّع المياه بكثرة في الطرقات والبيوت والمجالس، فالماء له مدلولٌ تاريخيٌ، إذ مُنِع عن الحسين وأهله وأصحابه (عليهم السلام) من قِبل جيش يزيد بن معاوية. إضافةً إلى المياه التي تُوزّع في هذه الذكرى الحزينة، هناك تقليد يُقام في القرى والمدن، حيث يقدّم (كعك العبّاس) وهو مكوّن من الطحين والسكر واليانسون والزيت، وتيمّنًا بالسيّدة زينب (عليها السلام) تُوزّع الهريسة على كلّ الموجودين في المجالس، وتُوزّع أيضًا في البيوت وعلى المحتاجين، وأحيانًا على المارّة من عامّة الناس، حيث ينتظرها الكبار والصغار لطعمها اللذيذ، وهي مؤلّفة من القمح والدجاج واللحوم، فهذا الطبق من التقاليد المتداولة منذ القدم لدى الطائفة الشيعية، بخاصّة في جنوب لبنان، وهذا التقليد يُقام في سوريا والعراق أيضًا. ومن أهمّ الموروثات في عدد من المناطق اللبنانية، بخاصّة في مدينتي النبطية وبنت جبيل في الجنوب اللبناني إقامة مسرحية عن واقعة الطفّ حول استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وبيان مواقفه البطولية، وأهدافه النبيلة، وتضحياته في سبيل الإسلام والإنسانية، ومن الجدير بالاهتمام أنّ هناك كثيرًا من المشاركين في هذه المسرحية من إخواننا السُنّة، وبعد الانتهاء من المسرحية تبدأ مسيرات شعبية كبيرة من جميع المناطق اللبنانية، فيها عشرات الآلاف، تتقدّمها الطبول والنقّارات والصنجات، ويتصدّرها موكب تشابيه أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهم بلباس أخضر يتبعهم أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)، وهم يحملون السيوف والرماح والأقواس، وأمام كلّ واحد منهم لافتة كُتِب عليها اسم واحد من أهل بيت الإمام الحسين (عليه السلام) أو أنصاره. وفي يوم العاشر من المحرّم نشعر في كلّ مكان أنّ الحسين (عليه السلام) ينادينا، ينادي كلّ جيل إلى يوم القيامة، صوت الحسين ينطلق من حناجر كلّ المظلومين والمعذّبين والمستضعَفين في لبنان والعراق وسوريا والعالم، ويصرخ في آذان كلّ شرفاء العالم، ويقول: (هل من ناصر ينصرني؟).