رياض الزهراء العدد 82 كيف تكونين مثلها؟
إِيمَانُ آسْيَا
آسيا زوجة رمسيس فرعون مصر وهي من بني إسرائيل من أولاد لاوي، وقيل إنها آسيا بنت مزاحم بنت عبيد بن الريان - فرعون مصر في عهد النبي يوسف (عليه السلام) - بن الوليد، كانت تدين بدين بني إسرائيل وكانت تخالف زوجها في العقيدة والرأي ولكنها كانت تسرّ معتقدها خوفاً من سطوة فرعون الجبار الطاغي. عاشت في قصر فرعون عيشة الترف والنعيم، ولكن هذه العيشة لم تبعدها عن الإيمان بالله (عز وجل)، فقد كان لآسيا قلب طيّب مستعد للهداية، فما إن رأت النبيّ موسى (عليه السلام) بعد أن التقطوه من الماء حتى خطت نحو الحق، وقالت لفرعون: لا تقتله، عسى أن يكون قرة عين لنا، وبذلك أنقذته من القتل، ففتح الله لها ينابيع الحكمة والهداية، ودلّها على الصراط المستقيم، فكانت رؤوفة بالمؤمنين ترحمهم وتتصدق عليهم، وأنقذته مرة أخرى فعن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل: "... فلما درج موسى كان يوماً عند فرعون فعطس موسى فقال: الحمد لله ربّ العالمين، فأنكر فرعون عليه ولطمه وقال ما هذا الذي تقول؟ فوثب موسى على لحيته وكان طويل اللحية فهلبها - أي قلعها - فألمه ألماً شديداً بلطمته إياه فَهَّم فرعون بقتله فقالت امرأته هذا غلام حدَث لا يدري ما يقول، فقال فرعون: بل يدري، فقالت امرأته ضع بين يديه تمراً وجمراً فإن ميّز بينهما فهو الذي تقول فوضع بين يديه تمر وجمر وقال له كُلْ فمدّ يده إلى التمر فجاء جبرائيل فصرفها إلى الجمر فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه وصاح وبكى فقالت آسية لفرعون ألم أقل لك إنه لا يعقل فعفا عنه"(1). وآمنت بموسى (عليه السلام) حينما رأت عجز السحرة أمام معجزاته، فكتمت إيمانها إلى أن ثار مؤمن آل فرعون حزقيل، فقتله فرعون قتلة شنيعة، وقتل زوجته الماشطة أمام عينيها وأراها الله في أثناء ذلك الملائكة وقد عرجت بروح الماشطة إلى السماء لِما أراد الله لها من الخير، فازدادت يقيناً بالله (عز وجل) وتصديقاً فثارت على فرعون وطغيانه وعتوّه، فأمر بها فرعون جلاوزته إلى أشد التعذيب وأصبح يتلوى جسدها الغض تحت سياط التعذيب المبرح، متمتمة لربها بكلمات المناجاة، ومن ثمّ يُغشى عليها ويراها فرعون مبتسمة، فيجنّ جنونه ويأمر بزيادة تعذيبها تحت الشمس، وكانت الملائكة تظلّلها إلى أن رأت مكانها في الجنة ففاضت روحها إلى الرفيق الأعلى. ذُكرت آسيا في القرآن مرتين دون أن يذكر اسمها، مرة لمّا أخذت موسى (عليه السلام) وهو رضيع من الماء حينما قصد فرعون قتله قال تعالى: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)/ (القصص:9)، والأخرى لما كانت تحت عذاب فرعون فطلبت من الله (عز وجل) أن ينجيها ويهب لها بيتاً في الجنة، وكذلك ضرب الله (عز وجل) في القرآن بها مثلاً إذ قال تعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)/ (التحريم:9،10)، وقد قال عنها الرسول (صلى الله عليه وآله): "ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين: مؤمن آل يس، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وآسية امرأة فرعون"(2)، وقد بشر الله سبحانه وتعالى نبيّه بأنه يزوجها له في الجنة(3)، فسلام عليها يوم وُلدت ويوم ماتت ويوم تبعث إلى ربّها راضية مرضية. ............. (1) تفسير القمي: ج2، ص135. (2) الخصال: ج1، ص181. (3) مستدرك سفينة البحار: ج4، ص332.