رياض الزهراء العدد 184 ملف عاشوراء
سَفِينَةُ العِشقِ
لو تساءلنا عن أقوى المشاعر التي تؤثر في الإنسان، فسيكون الجواب (الحبّ)، لماذا؟ لأنّ الحبّ يدفع الإنسان إلى العمل الخالص، والحبّ الصادق يجعلنا في منافسة دائمة مع النفس كي ترتقي وتقدّم أفضل ما لديها من أجل المحبوب. الحبّ يجرّ الإنسان أمام المرآة ليرى نفسه بوضوح، ويقدّم له معايبه ومحاسنه كي يسمو، الحبّ الصادق يصعدنا فوق السُحُب ويجعلنا نشعر بأنّنا غيوم، ومن دون الحبّ نشعر كأنّ أطنانًا من الأحجار فوق صدورنا، فلا يمكننا التنفّس بارتياح، وإخراج النَفَس من صدرنا بسلام. ما أجمل الحبّ حين يترسّخ بحذافيره في خلايا الوجود، وما ألطف الحياة حين نجد كلمة الحبّ تملأ الدنيا وما فيها. يُقال إنّ الحبّ خالد، فما هذه القدرة العظيمة التي جُعِلت فيه؟ إنّ الحبّ الصادق باستطاعته أن يُخرج الإنسان من الظلمات إلى النور، لكن كيف نميّز بين الحبّ الصادق والكاذب يا ترى؟ القلب دليل الإنسان، والآيات والروايات ترشدنا إلى ذلك، وإحدى تلك النصوص هي: "يا ملائكتي، ويا سُكّان سماواتي، إنّي ما خلقتُ سماءً مبنيّة، ولا أرضًا مدحية، ولا قمرًا منيرًا، ولا شمسًا مضيئةً، ولا فلكًا يدور، ولا بحرًا يجري، ولا فُلكًا تسري إلّا في محبَّة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء"(١)، هم السادة الذين فاق فضلهم مَن في الوجود، فكانوا محلًّا للتجلّيات الربّانية. إنّ اليراع ليقف متردّدًا عاجزًا عن شرح فضلهم، وكبر مقامهم، وعلوّ شأنهم، فخلق الأكوان والعوالم كان بسبب الحبّ، ووجود هذه الأنوار المقدّسة، حيث تتضّح لنا ماهيّة الحبّ وكيفيته، والتمسّك بمَن يستحقّ الحبّ، هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا، الذين ضحّوا بأموالهم وأنفسهم، وبذلوا مهجهم في سبيل الله. وأشار رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الإمام الحسين (عليه السلام) قائلًا: "يا أيّها الناس، هذا الحسين بن عليّ فاعرفوه، فو الذي نفسي بيده إنّه لفي الجنّة ومحبيه في الجنّة، ومحبّي محبّيه في الجنّة"(٢). إذن كلّما كان الحبّ متّصلًا بهم كلّما ازداد شرفًا ونقاءً. إنّ الحسين (عليه السلام) هو رحمة للعالمين، وفي كلّ لحظة من لحظات حياته ظهرت العجائب والكرامات التي يشهد بها المحبّ والمبغض، فقضيّة فطرس لا تخفى على أحد، مثلما أنّ مسيرته نحو كربلاء كانت مليئة بالكرامات! فالإمام بذل كلّ حياته في سبيل الله، والباعث على ذلك هو حبّ الله، والشوق إلى لقائه، ثم يقول (عليه السلام): "ليستنقذ عبادكَ من الضلالة، والجهالة، والعمى، والشكّ والارتياب إلى باب الهدى من الردى"(٣). إنّ الحسين (عليه السلام) عنوان الحبّ، ومَن علّم البشرية أسسه، ومَن أنقذ البشريّة بالحبّ. حبّه خالد في القلوب ليصرخ، العالم بأعلى صوته :(احنه غير حسين ما عدنه وسيلة...). ................................ (١) الاكتفاء بما رُوِي في أصحاب الكساء (عليهم السلام): ج٤، ص٢٧. (٢) بحار الأنوار: ج ٤٣، ص ٢٦٢. (٣) العقل والجهل في الكتاب والسنّة: ص ١٦٣.