رياض الزهراء العدد 184 ملف عاشوراء
صَبرُ سَاعَةٍ
هي العزّة الحاضرة، والفضيلة الظاهرة، هي سكون الروح والقلب عند أشدّ الظروف وأحلكها، فاقتحام المرء سُوح الوغى مع ثباته نفسيًا وجسديًا، ما هو إلّا صورة من صور الشجاعة، والشكيمة، ورباطة الجأش التي تحلّى بها خيرة البشر، وصفوة الرجال من آل هاشم، الذين لا يعرف الخوف سبيلًا إلى قلوبهم، ومدخلًا إلى أرواحهم، فهم مثلما قال الله تعالى: (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران: ١٤٦)، فكانوا أعظم الناس بسالةً، وأشدّهم صلابةً، وحكمةً، وأمضاهم عزمًا في الخطوب، فكانت شجاعتهم مضرب الأمثال، ومقياسًا للأبطال. كانوا يقدمون على المخاطر والأهوال في سبيل نصرة الحقّ وإعلاء كلمته، ويظهرون الثبات والثواء عند التعرّض للمخاوف. أسماؤهم كأنّها ناقوس الخطر في نفوس الأعداء، وذكر ألقابهم وكُناهم كفيل بأن يرعد فرائص الخصم، ويزلزل كيان الباطل، فيسيطرون على أعداء الإنسانية معنويًا ونفسيًا، وقلبًا وقالبًا من قبل أن يسيطروا عليهم مادّيًا، ويهزمون العدوّ مهابةً من قبل أن يفرّ منهم مخافةً . إنّ هذه الشجاعة لم تكن وليدة الصُدف، ولا موقفًا ارتجاليًا، إنّما هي مَلَكة راسخة، وسجيّة شامخة تولّدت من قوّة الايمان، وشدّة الخضوع لله (جلّ وعلا)، ورثها الأبناء من الأجداد جيلًا بعد جيل، فعندما نستعرض أسماء أفراد هذه السلالة الشريفة فلا نجد سوى الفرسان، والشجعان، والصناديد البواسل. وسيّد أبطال آل هاشم الذي حيّر الخصوم، وأذهل العقول، وأخرس الجبابرةَ سيّدُ الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، فشجاعته يوم الطفوف لا تُقاس، جال وصال في كربلاء كالليث الغاضب، ولم يعبأ بعدّة العدوّ وعددهم، فهو يرى مدد الله الذي يتكفّل بتسديد الرمية التي تهدف إلى إقامة الحقّ، ونصرة المظلوم، ومكافحة الاستبداد، وولاة الجَور، وأهل النفاق والشقاق، وماحقي السنّة، وناشري البِدع والأضاليل من بني أميّة، حتى عندما سقط عن ظهر جواده، وأُثخن بالجراح، وأوشكت روحه الشريفة على العروج إلى بارئها، كان مُهابًا من قِبل أعداء الله تعالى. فسلام على الشجاع الممتحن الذي تحمّل طعن الرماح، وضرب السيوف، ورمي السهام، حتى صارت السهام في جسده الشريف كالشوك في جلد القنفذ في سبيل الله تعالى، ونصرة دين النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله).