لَيلَةٌ خُسِفَ فِيهَا القَمَرُ

نادية محمد شلاش/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 326

المكان: طفّ كربلاء . الزمان: ليلة الحادي عشر من المحرّم . السنة: ٦١ للهجرة . ليل ليس كعادته، قمر حزين لم يعهد أن يُخسف في مثل هذا الوقت، أجساد مبعثرة، أشلاء مقطّعة، دماء في كلّ مكان، ما لهذه الدماء تفوح منها رائحة زكيّة ! ها هنا وقف الإمام الحسين (عليه السلام) مخاطبًا القوم قائلًا: "أعلى قتلي تجتمعون؟! أما والله لا تقتلون بعدي عبدًا من عباد الله أسخط عليكم لقتله منّي، وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون،.."(١). ها هنا سقط جود أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) وقد خُرِم. ها هنا جرّد عابس سيفه ورمحه، وأعلن أنّه مجنون بحبّ الحسين (عليه السلام). ها هنا تعاهد بُرير بأنّه لو قُتِل ألف مرّة، لما ترك الحسين (عليه السلام). ها هنا خُدِشت النخلة وهي تحاول منع السهم الذي أطلقه حرملة تجاه الطفل الرضيع، لكنّه أصابه. ها هنا رفض جواد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أن يشرب الماء على الرغم من عطشه . هنا وهناك في كلّ جانب أنين، وبكاء، وعَبرة، وأطفال عطشى، ونساء ثكلى، وعليل حمل الأمانة وأبى الاستسلام، وخيام لا تزال أشلاؤها تستعر، ودخان وحطام في كلّ مكان، وفتيات صغيرات قد خُرِمت آذانهنَّ، وسُلِبت أقراطهنَّ، واحترقت ثيابهنَّ، وعلى التلّ وقفت ملتحفة بعباءتها التي بقيت شامخة بالعفّة والوقار، وهي تنادي معاهدةً على مواصلة المسير، والحفاظ على الوديعة والعيال والسبايا، تلك زينب (عليها السلام) وما أدراكِ ما زينب! عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم صلوات الله) تجسّدوا في شخصها، زعزعت عروش الطغاة في صلاة ليل بهيم، ودعاء ليس له مثيل ليحفظ العليل، وقوّة لا يقف في وجهها مستحيل في هبة لربّ العالمين: "اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان.."(٢) ليلة كانت طويلة كأنّها دهر، لم تُغمض فيها عين، ولم تجفّ دموع حرّى، وقلب مفجوع، وخوف من طلوع صبح فجيع . لقد ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه لله تعالى بما قدّموه من عظيم التضحية والفداء، في تجارة لن تبور. .................................... (١) نَفَحات من سيرة أهل البيت (عليهم السلام): ص ١٦٨. (2) حياة الإمام الحسين (عليه السلام): ج٣، ص٣٠٤.