مِن وَإِلى خَيرِ سَبِيلٍ

زينب عبّاس/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 302

انتهت المعركة، ولم تنتهِ آثارها. امتدّت حتى اكتسحت بلاط قصر المنتصر في دنياه، بمقدار ما دارت نشوة الخبر في مدارات فكره الخبيث، وقلبه المريض. كان ركب السبايا قد وصل مشارف الشام، وأهلها بين مبتهج مستعدّ قلبًا وقالبًا، وبين مَن شغله الفضول لرؤية خوارج انتصر عليهم خليفتهم أمير الفاسقين. كلّ من الحزن، والفقد، والسبي، والمرض لم يأخذ مأخذه من قلب الإمام زين العابدين (عليه السلام)، بل مِن وإلى خير سبيل: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: ٦٩)، ومَن عساه يكون مصداقًا لهذه الآية غير أهلها! تتوافد الجموع عند باب الساعات، وساعات النصر لآل محمّد (عليهم السلام) تتزاحم مع كلّ خطوة منذ تسنّم الإمام السجّاد (عليه السلام) الإمامة، وعمّته فخر المخدّرات، وزهرة النبوّة زينب الكبرى (عليها السلام) مهمّة كشف أباطيل بني أميّة وضلالهم. كان دخولًا مهيبًا لبيت الرسالة إلى قصر يزيد، تلك الوجوه التي تزخر بالنور والبهاء، وتطغى أنوارهم على ظلمات نفوسٍ باعت آخرتها بدنيا غيرها: ﴿..فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ..﴾ (البقرة: ١٦)، فأول نخر لصرح أكذوبة (خارجين على إمام زمانهم)، يبدأ مع كلّ سؤال: مَن هم؟ سؤالٌ خرق الجموع كشهاب ثاقب، والإجابات من ثغر الحقّ تترى، لكن سؤال يجذب أطراف الإجابة بإلحاح ودهشة: أهل بيت رسول الله، يُساقون إلى الشام؟! إذًا أين الخوارج؟! ومَن المقتول؟! ولِمَ؟! كانت الحبال والقيود تحيط بأشرف الناس وأطهرهم، تتقدّمهم أسنّة البغي وقد علتها رؤوس سادات الخلق! يشمخ الطاغية بأنفه، وينظر بعين التشفّي والشماتة معتليًا كرسيّ أطماعه، يحيطه جلاوزته، يفخرون بنصرهم المزعوم، وكذا جلساؤه، وندماؤه. يتجهّم بأحقاده، وأحقاد جدّه وأبيه، ويردّ عليه مَن بقي من ولد الإمام الحسين (عليه السلام) الإمام زين العابدين (عليه السلام) وهو أعزل، مكبّل، قائلًا: "أنشدكَ الله يا يزيد، ما ظنّكَ برسول الله لو رآنا على هذه الحال؟!"(١)، فأمر يزيد بالحبال فَقُطّعَت، وخرَّ قصر أمانيّه من القواعد، أمانيّ: الخلافة، النفوذ، الانتصار لهوى النفس، إذلال مَن بقي من أهل بيت الحسين (عليه السلام) عبر سبيهم، وإدخالهم عليه وهو في غفلته يعمه. ما برحت ظلامة أهل البيت (عليهم السلام) تحرق صدور الموالين على مرّ الزمان، والجميع ينتظر الإمام الغائب (عليه السلام) ليأخذ بالثأر من ظالمي العترة الطاهرة (عليهم السلام). رزقنا الله نصرته بما ادّخره لنا من أنوار هَديهِ! ............................... (١) بحار الأنوار : ج ٤٥، ص ١٣٢.