يَومُ الظَّفَرِ

منال مذري الربيعي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 297

هناك.. حيث تنتظم صفوف الشهداء في محضر ملائكي مقدّس، والملائكة ترحّب مستبشرة بهذا المحفل المهيب، وأرواح الشهداء تتهادى التهاني فيما بينها؛ لأنّها ستبلغ المراتب المشرّفة العالية، فالنسمات العطرة تملأ أرجاء ذلك الفضاء الفسيح، والأشجار الباسقة الشامخة بثمارها الهنيئة، وعطرها الفوّاح تتناثر بكرم بالغ على الآكلين، إنّه يوم الفوز الذي لا ينتهي، يوم جَني جزاء الصبر والعطاء. وفي لحظة سكون مهيب تترقّب فيه عيون الناظرين مَن سيدخل الآن، وإذا بصفوف الملائكة تتوالى بكلّ هيبة ووقار؛ لتعلن عن قدوم زائر ذي شأن كبير، فقد أشرق نور ساطع أضاء له المكان، إنّه ذلك الوجه المشرق المنير، شبيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد اعتلى صهوة حصان رشيق، وأخذ يتفحّص وجوه الشهداء بعينيه الواسعتينِ، ويسألهم عن ظلاماتهم؛ ليرفعها إلى سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، حيث المحكمة الإلهية العادلة التي ستنصفهم، فكلٌّ صار يحكي ظلامته. فاستأذن الأول (أحمد) ليقصّ ما جرى عليه في مجزرة (سبايكر)، حيث نُحِر على شاطئ دجلة، وقد أصبح لون النهر أحمر من كثرة دماء الشباب الذين قضوا في ذلك اليوم المشؤوم؛ لأنّهم كانوا من الموالين لأهل البيت(عليهم السلام). وتقدّم الآخر (علاء) وقد أذهل الحاضرين بما لقي من التعذيب في زمن النظام البائد؛ لأنّه هتف في يوم العاشر من المحرّم في ركضة طويريج قائلًا: (أبد والله ما ننسى حسينًا). وتقدّم الآخر، والآخر، حتّى حان دور الشاب الفارس؛ ليستعرض ظلامته أمام الحاضرين قائلًا: أنا عليّ بن الحسين بن عليّ من عصبة جدّ أبيهم النبيّ نحن وبيت الله أولى بالوصيّ والله لا يحكم فينا ابن الدعيّ أضربكم بالسيف أحمي عن أبي أطعنكم بالرمح حتى ينثني طعن غلام هاشميّ علويّ(١) نقول: سيّدي، إنّ ظلامتكم ما بعدها ظلامة، لقد بذلنا ما بوسعنا للوفاء ـ ولو باليسير ـ لما بذلتموه، فلو متنا ورجعنا إلى الحياة مرّة أخرى، وقُطِّعنا وحُرّقنا ما شُفي غليلنا. سيّدي، لقد امتحن الله أباكَ سيّد الشهداء (عليه السلام)، فقد أُثكِلَ بشابّ هو أشبه الناس خَلقًا وخُلقًا برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، شجاع لا يهاب الموت، ولا يعبأ بالأعداء مهما كثروا، فقد قدّمتَ درسًا بليغًا للشباب، فأصبحتَ القدوة والمَثَل الأعلى، لننهل منكَ دروسًا في الأخلاق والشجاعة والعلم. عندها أومأ الشابّ العلويّ بالاستعداد للانطلاق بقيادته إلى أفق آخر، فقد اصطفّ الجميع بهيبة ووقار، تتقدّمهم الملائكة لإرشادهم إلى مراسيم لقاء سيّد الشهداء (عليه السلام)؛ ليشفع لهم في الدخول إلى الجنّة. فهنيئًا لنا بموالاتكم، إذ حففتم بنا للوصول إلى الغاية، وهو يوم الظفر. ....................................... (1) مناقب آل أبي طالب :ج ٣، ص ٢٥٧.