رياض الزهراء العدد 184 ملف عاشوراء
مِن مَعَالِم بَنِي عَقِيلٍ
في سوح الوغى تُعرف معادن الرجال، ومناقب الفرسان، وجوهر كلّ إنسان، وفي واقعة كربلاء كانت الساحة زاخرة بالنماذج النادرة على قلّتها من أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)، إلّا أنّها ملأت صفحات التاريخ بما تحتاجه الأجيال. وبنو عقيل كانوا من هؤلاء الصفوة التي نصرت سيّد الشهداء (عليه السلام)، أحمد بن محمّد بن عقيل الهاشميّ كان أحدهم، ممّن برز في تلك الواقعة وقتل من الأعداء (٨٠) رجلًا، وجرح آخرين، كان واحدًا لكنّهم لم يتمكّنوا من قتله إلّا بعد أن عقروا فرسه، فقطعوا عليه كلّ جانب، فقتلوه في حومة الحرب(١). وهذه أولى معالم قوّة بني عقيل وشجاعتهم بوصفهم أنصارًا، إذ إنّ الواحد منهم كان يُخيف الأعداء، لذا كانوا يتعاملون معه كجمع لا كفرد. ومن المعالم الأخرى ما كان يردّده عندما انطلق إلى الأعداء محاربًا، إذ ارتجز قائلًا: اليوم أتلو حَسَبي وديني بصارم تحمله يميني أحمي به عن سيّدي وديني ابن عليّ الطاهر الأمينِ (٢) فعند التأمّل بها نجد كأنّه اليوم الذي كان ينتظره ويستعدّ له، فيتلو افتخاره بحَسَبه، ونسبه، ودينه، لكن ليس بالأقوال، إنّما بإظهارها بالأفعال، فهو لا يتفاخر بما لديه من وجاهة، أو مكانة، أو مقام قرب من النبيّ ووصيّه؛ كي يشعر بالزهو والغرور أمامهم، إنّما فخره بأنّه سخّر هذه المفاخر وما كسب من منّة الإيمان، ونعمة البصيرة في الجَنان، تلك التي جعلته يرى جبهة الحقّ فيكون فيها ومنها، ويرى مواطن النور فيتّبعها، ويوطّن نفسه لها، فيكون لها فداء. فهذا الصارم الذي تحمله يمناه إنّما قوي على حمله، وسارع في إشهاره لحماية سيّده ودينه؛ لأنّه قد أُشرب حبّ الحسين (عليه السلام) بكلّ وجوده، فالإمام الحسين (عليه السلام) هو وجه دين الله، والقيادة الحقّة التي بها تُقام حدود الإسلام، بل وصل إلى مرحلة يرى أنّه إنّما يدافع ويحمي نفسه، فالياء في (سيّدي وديني) هي ياء الانتساب الكاشفة عن عمق الرابطة والعلقة التي فيه، والتي لا يمكن أن تنفكّ عنه، وهل يُطلب من الإنسان أن يحمي نفسه؟ بلا شكّ لا، فكان يرى تكليف النصرة أنّه يخصّه، وهو مخصوص به، فالسلام عليه من صاحب وناصر ما أوفاه لانتمائه وعقيدته. ................................... (١) الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه: ج٢، ص١٣(بتصرّف). (٢) ناسخ التواريخ: ج٢، ص٣٢١.