رياض الزهراء العدد 184 ملف عاشوراء
دِماءُ الوَردِ فِي أَرضِ الطَّفِّ
عطر فاح من الجنان ليرسم صورًا لظلامات الزمان، ويكتب للتأريخ ما قد ستره الظلم عن طفولة قد انتُهكت في غابر الأيام. إنّها دماء الورد التي سُفِكت في أرض الطفّ، أحلام لطفولة قد انتُهكت، جرائم لم تراعِ حرمةً لأيّ طفل، مشاهد مروّعة قد تجرّدت من معنى الإنسانية، فتجرّأت على البراءة بحقد وكراهية لم يُشهد لها مثيل. صور تفاوتت بين طفل تلظّى من العطش، وطفل قد انهارت قواه من لهيب الشمس، وطفل قد تعلّق بأقدامه الصغيرة حسك السعدان، فسالت دماؤها على رمال الصحراء، وطفل قد ارتاع من مناظر القتل، فها هو أبوه يُقتل أمامه، ويرى مناظر لم يرَها من قبلُ، بسبب وحشيّة عدوّ قد تبرّأت منه وحوش البراري. صراخ وعويل، آهات وزفرات أطلقها أطفال الطفّ لمشاهد لم ولن يتحمّلها قلب الأحرار، كمشهد الطفلة عاتكة بنت مسلم بن عقيل، طفلة صغيرة تبلغ من العمر سبع سنوات، سُحِقت حين هجم القوم على مخيّم سيّد الشهداء (عليه السلام) من أجل السلب، فسالت دماؤها الطاهرة على أرض الطفّ(١). ومشهد لسعد وعقيل ابني عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب، وأمّهما خديجة بنت عليّ بن أبي طالب(٢)، ماتا من شدّة العطش، ومن الدهشة والذعر، ومشهد شهادة أحمد بن الحسن المجتبى (عليه السلام)، الذي قُتِل مع عمّه الحسين (عليه السلام) وله من العمر ستّ سنوات، واستشهاد بنتين للإمام الحسن (عليه السلام)، سُحِقتا يوم الطفّ بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، ومات طفلانِ من أهل البيت (عليهم السلام) عشيّة اليوم العاشر من المحرّم من الدهشة والعطش، وذلك لمّا ذهبت زينب (عليها السلام) لجمع العيال والأطفال، فلمّا جمعتهم إذا بطفلين قد فُقِدا، فذهبت في طلبهما، فرأتهما معتنقينِ نائمينِ، فلما حرّكتهما فإذا هما قد ماتا عطشًا(٣). مشاهد مروّعة قد أماطت اللثام عن حقد الظلام، فالسلام على تلك الدماء السائلات التي نشرت بعطرها الفوّاح عبيرًا يستنشقه كلّ الأحرار على مدى الأزمان. ....................................... (١) معالي السبطين: ج٢، ص١٤٦. (٢) معالي السبطين: ص٨٩٢. (٣) موسوعة كربلاء: ج٢، ص ٢٣٠.